الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

مخاض النظام الدولي الجديد

يعيش العالم هذه الأيام ما يشبه المخاض العسير الذي يسبق عادة لحظة الولادة، حيث يترقب الجميع ظهور نظام دولي جديد يعقب نظام أحادي الهيمنة الأمريكي الحالي، وإن كانت ملامحه وتركيبته وشكله وصورته النهائية غير واضحة، سواء أكان ثنائي القطبية أو متعدد الأقطاب، وهذه المرحلة تتسم بصراعات ومناوشات وتنافسات كبيرة بين الدول، منها ما هو بهدف إثبات وجود أو حجز مواقع أو اختبار الآخر أو جس نبض للساحة الدولية، ويمكن القول تبعاً لذلك: إن هناك مرحلة فوضى عالمية بشكل أو بآخر تسود اليوم.

وعلى الجهة المقابلة، هناك معطيات وحقائق وجب معرفتها لتوقع شكل المولود الجديد، فإذا كان الحديث عن نظام ثنائي القطبية، فإنّ الصين على غير ما هو مطروح لا ترغب في تغيير النظام الحالي الذي تتزعمه أمريكا، لأن كلفة ذلك ستكون كبيرة عليها، فضلاً عن أن صعودها المدوي كان من خلال هذا النظام، وهي لا ترغب كذلك بأن تكون القطب الأول في أي نظام دولي، لأنها ستتحمل عبء إدارة العالم بكل مشاكله وصراعاته وبما يتطلبه ذلك من أثمان وضرائب تبدو غير مستعدة لدفعها، فهي على أحسن تقدير ترضى بالقطب الثاني.

وإن كان النظام الدولي المقبل سيكون متعدد الأقطاب، فإن ذلك مدعاة للتنافس الاستراتيجي بين الدول بشكل أكبر، من أجل حجز الأماكن وتحسين المواقع والخروج بأحسن المكاسب وبأقل الخسائر.


لكن كيف ستكون ماهية وشكل هذا النظام وما هي تراتيبيته؟، في واقع الأمر هناك 3 مستويات للدول المتنافسة اليوم، الأول يضم أمريكا والصين وروسيا، والثاني يضم اليابان وكندا ودول الاتحاد الأوروبي منفردة كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، والثالث يضم ما يعرف بالدول الصاعدة مثل: الهند والبرازيل والمكسيك وإندونسيا وتركيا وغيرها.


وهنا تكمن حدة الصراع والتنافس، حيث سيسعى كل طرف لتقديم أوراق اللعب الرابحة التي يمتلكها لوضعها على طاولة التفاوض، فتقاسم الحصص بين الأقطاب له ثمن كبير، ومن يريد أن يكون مع الكبار، عليه أن يتحمل الضربات.

ولكن بالمقابل، كيف تنظر أمريكا للنظام الدولي المتوقع وللمركزيات الجيوسياسية الجديدة والقوى الصاعدة؟، في واقع الأمر إن من يراقب سياسات واشنطن اليوم يعرف أنها محتاطة ومستعدة ربما لكل ذلك، ولكن بشروطها طبعاً، وهذا ما يسعى له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في هذه اللحظات.