الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

جيوش إلكترونية لغزو العقول

بقدر ما أصبح الإعلام الرقمي وسيلة سهلة وسريعة لنقل الأخبار وتقريب المسافات، بقدر ما تحول إلى طريقة لبث الشائعات وتزييف الحقائق واستهداف الأشخاص والدول وشن الحروب الإلكترونية الرخيصة التكلفة، الباهظة الآثار والتداعيات.

شاهدنا العديد من المناطق التي اشتعلت فيها الفوضى بفعل سيل من الدعايات الإعلامية الموجهة التي تقف خلفها ما باتت تعرف اليوم بالجيوش الإلكترونية التي تستهدف العقول وتعبث بالحقائق وتشوه الصور وتخلق واقعا افتراضيا وتروج له وكأنه الحقيقة.

وتكاثرت المنصات الإعلامية في الآونة الأخيرة في المشهد الإعلامي العربي كالطحالب في المستنقعات، وانتجت جيلا ممن يمتهنون مهنة الصحافة والإعلام دون أن تكون لهم أي علاقة بهذا المجال الذي يحتاج لحدود دنيا من مهارات الكتابة والموهبة، وربما التعليم.


وعلى ذات القدر تحولت منصات التواصل الاجتماعي إلى بؤر لبث الشائعات وتبادل الشتائم، حتى تحولت إلى منصات للقطيعة بين الأصدقاء والأهل وربما الشعوب بفعل الخلايا السوداء التي اقتحمت عالم التواصل الاجتماعي، واتخذت منه وسيلة لتصفية الحسابات السياسية والشخصية والتلاعب بعواطف البسطاء وتحويل أحلام الشباب في بعض الدول إلى قنابل موقوتة شديدة الانفجار، فشهدنا آثار دمائها في العديد من المناطق التي اكتوت بنار التضليل الإعلامي والتأجيج الالكتروني الذي انتهى بكوارث محققة.


مجددا، أثبتت التفاعلات الشعبية والانفعالات السياسية التي شهدها العالم العربي في الآونة الأخيرة، أن غزو العقول والتلاعب بها بات أكثر خطوة من الغزو العسكري، وهو الأمر الذي فطنت له مبكرا بعض الجماعات الراديكالية العربية التي أنشأت جيوشها الإلكترونية لتخوض حروبها غير التقليدية على الدول والمجتمعات، وتختطف أفئدة الشباب وتحولهم إلى قنابل بشرية في كثير من الأحيان.

وبفعل المفاهيم الجديدة والمتسارعة للإعلام الحديث المرتبط بالتطور التكنولوجي وعدم استعداد المجتمعات المستهلكة للتقنية الحديثة لمواجهة هذه التطورات، تحولت العديد من وسائل الإعلام وأدواتها الأجد إلى خلاف ما صُممت له، فعجت «مواقع التواصل الاجتماعي» بصور الكراهية ومظاهر القطيعة، وتحولت الشبكة العنكبوتية إلى وسيلة لتشويه الحقائق وتغييب المعلومات بينما كان يفترض أن تكون قناة لنقل الأخبار.

استيقظ العالم ربما على كارثة إعلامية جديدة بفعل العبث الذي طال مهنة الصحافة، وقيم الإعلام الكلاسيكية نتيجة للاختراق الذي احدثته الجماعات والسياسات، فذهب جزء كبير من طاقات المنصات الإعلامية الرصينة في الآونة الأخيرة لتطوير أدوات حديثة لكشف التزييف الالكتروني، ومواجهة القرصنة الإعلامية وعرقلة جيوش الاحتيال والتضليل الإلكتروني التي تجتاح العالم الافتراضي.