الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

ترامب.. وصفقة المستحيل

أخيراً، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن تفاصيل «صفقة القرن» للسلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين يوم 28 يناير الفائت، وتفتقر الخطة أو الرؤية المعلنة، والتي لم توزّع منها إلا نسخ قليلة، للدقة والجدوى السياسية، بالرغم من أن القصد منها كان أكثر وضوحاً من كل ما سبق قوله عنها.

وفي هذه الخطة، وافق ترامب على كل ما طلبه وأيده رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من دون أي استثناء، وبشكل خاص، تطرق الاتفاق المقترح للحقيقة القاسية القائمة على الأرض في الضفة الغربية، وحاول إضفاء طابع الشرعية عليها.

ووفقاً لما جاء في شروط الصفقة المقترحة، يتحتم على الفلسطينيين أن يقبلوا بكل التغيرات التي طرأت على الضفة الغربية منذ احتلالها في حرب عام 1967، وأن يعتبروها حقائق مشروعة تنطبق عليها شروط الاستدامة والبقاء، وفي مقابل هذا الاستسلام الكامل، سوف تكون للفلسطينيين دولة مستقلة.


وحتى عندما تصبح للفلسطينيين دولة خاصة بهم، فإنه يتحتم عليهم التنازل عن معظم شروط سيادتهم عليها وفقاً لما تشير إليه الصفقة، وسوف تحتفظ إسرائيل بحق مراقبة الحدود الكاملة للدولة الفلسطينية المقترحة بعد استقلالها.


وبموجب بنود الاتفاقية أيضاً، ستمتلك إسرائيل الحق الحصري بمراقبة الأجواء فوق الدولة الفلسطينية، وعادة ما تكون هذه الحقوق والأدوار من العناصر الأساسية للدولة ذات السيادة، إلا أن الدولة الفلسطينية سوف تكون محرومة من سيادتها على أرضها منذ البداية.

وكما يتضح من عنوان الوثيقة «السلام طريق الازدهار»، فقد جاء هذا الاقتراح بمثابة دعوة للفلسطينيين للقبول بإبرام اتفاق سلام يتنازلون من خلاله عن أهم رموز سيادتهم الوطنية، ويحققون في مقابل ذلك، مستقبلاً اقتصادياً برّاقاً يتم تمويله عن طريق مانحين ومستثمرين مجهولين، وليس من المستبعد أن نتوقع رفض القيادة الفلسطينية له بشكل قاطع.

ويمكن لمناسبة الإعلان عن الخطة أن توضح لنا طبيعتها، ففي البيت الأبيض، شارك الرئيس ترامب التداول على منصة الخطابة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو فقط، وفي غياب كل المفاوضين الفلسطينيين والرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان من اللافت أيضاً غياب كل الرؤساء والملوك العرب، الذين اعتادوا على تأييد خطط السلام التي تتوّج الوساطات الأمريكية.

ونتساءل: لماذا تطلَّب الأمر كل هذا الوقت من الرئيس ترامب منذ تسلم مهامه رئيساً للبيت الأبيض حتى يتقدم باقتراح صفقته التي تكاد تكون متوقعة ومعروفة التفاصيل قبل أن يعلن عنها؟.

يبدو أن الأمر يتعلق برغبة صهر ترامب جاريد كوشنير ومعه بنيامين نتنياهو، واللذان بذلا جهوداً مضنية لإقناع بعض القادة العرب بقبول الاقتراح، والضغط على القيادة الفلسطينية بعد ذلك لانتزاع التأييد منها عن طريق تقديم الحوافز الاقتصادية أو باستخدام الضغط السياسي، إلا أن هذه الجهود باءت كلها بالفشل التام وهو ما أجبر ترامب ونتنياهو على الإعلان الثنائي عن خطة السلام المزعومة، من دون وجود فريق معارض أو مؤيد لها.