الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أمريكا.. واحتماء السياسة بالدين

نعلم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بروتستانتي كلاسيكي منخرط في الكنيسة المشيخية، وقد أقام حملته الانتخابية الرئاسية السابقة على دعم واسع للإنجيليين، لمّا أعلن أن من أهم مقوّمات برنامجه الانتخابي العودة إلى الإنسان الأمريكي الأبيض وإلى روح المسيحية.

لكن روبير جونز مؤسّس مركز الأبحاث للدراسات الدينية ومؤلف كتاب «أمريكا المسيحية البيضاء» بدأ ينتقد بشدّة ترامب بسبب انقلابه غير المباشر على فكرة «العودة إلى المسيحي الأبيض»، وذلك بعد الاستجابة لمصالح اللوبي المسيحي الذي لا يهمّه تثبيت القيم المسيحية بقدر ما تهمه امتيازاته الاقتصادية وتموقعه السياسي وفق أجنداته الخاصة.

هنا بالتأكيد تكمن بدايات السقوط المرتقب لترامب الذي جعل من السياسة أولوية، خاصة إذا علمنا أن 65% من الأمريكيين يتديّنون بالمسيحية، لكن دفاع الإنجيليين عن ترامب بإيجاد تبريرات لمواقفه وأقواله، مثل خرجات الصحافي السياسي «دافيد برودي» على قناة السلسلة المسيحية يعتبر أن ترامب فعلاً قد أخطأ سياسياً في بعض المواقف، ولكنه لم يرتكب أي خطإ ديني كما يدّعيه خصومه، مشدّداً على أنه رجل مؤمن مسيحي، يعمل بتعاليم المسيح.


ولم يملّ مؤلف كتاب «إيمان ترامب» من التأكيد على القول: «لنا رئيس يدافع عن القيم اليهودية والمسيحية، يدافع عن الحياة، عن حرية التدّين»، ولكن عندما ينتقد بعض أخطائه السياسية مثل عدائه للمهاجرين، وهذا يخالف المسيحية بدعوتها إلى العطف والشفقة، نجده يبحث له عن أعذار نظرية مثل قوله: «فعلاً إنّ المسيحية تدعو إلى الشفقة، ولكنها تدعو إلى القانون والنظام».


إن تفسير موقف ترامب لتخلّيه عن تحيّزه المتشدّد للمسيحيين التقليديين، يرجع إلى إدراكه السياسي لتحوّل الكتلة النّاخبة التي أصبحت تتّسع أكثر من خارج هذا الإطار الديني، وخاصة خارج الإنجيليين.

وهذا ما يفسّر ابتعاده عن التواصل مع المسؤولين الدينيين وتجرّئه على أخذ الكلمة في واشنطن، وهو أول رئيس أمريكي يفعلها في يناير الماضي أمام مسيرة المناضلين المعادين للإجهاض.

كما أنّه لم يحتفل بعيد الميلاد في إحدى الكنائس التي تعمّد المؤمنين في فلوريدا، في تجاهل تام لرعية الكهنة التي عمّدت زواجه الثالث، كما أنّه دافع في شهر يناير الأخير وهو يتحدّث عن الدولة الأمريكية الموحدّة عن «الحق الدستوري في الصلاة داخل المدارس العمومية»، وعن ممارسة الحرية الفردية في التدّين.

ومع ذلك، نرى الإنجيليين الذين يشكّلون ثلث قاعدته الانتخابية يقبلون بكل مواقفه، لأنهم يعتبرونه الرجل القوي «المبعوث من طرف الرّب»، وهذا ما عبّرت عنه سارا ساندرس الناطقة الرسمية باسمه سابقاً، بقولها: «إن الربّ أراد أن يكون ترامب رئيساً».

ولم يقف هذا الاعتقاد الميتافيزيقي عند الإنجيليين، بل توسع إلى نخبة من السياسيين مثل: وزير الخارجية مايك بامبيو الذي شبّهه بإستر وهي شخصية وردت في الإنجيل، أنقدت اليهود من الموت، ومن هذا المنطلق نجد أنفسنا فعلاً أمام خطاب أمريكي شعبوي، ُيدَيِّن السياسة ويُسيّس الدّين.