الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

السلف والتلف.. والتجديد والتبديد

يظهر شعار ما فيتلقفه العرب أو العقل الجمعي العربي، ويردده ويتحمس له بلا تمحيص ولا تحقيق ولا تدقيق، فالشعار السائد الآن هو تجديد الخطاب الديني، الذي تدور حوله معارك عبثية بين المتحمسين للتجديد والمتحفظين عليه، وهكذا تشتعل الصراعات حول القشور، بينما يظل اللب كما هو، فالعرب معنيون بالتعليب والتغليف حتى إذا كانت البضاعة التي يراد تعليبها وتغليفها رديئة ومنتهية الصلاحية.
وفي خضم هذه الصراعات المضحكة المبكية ننسى أن العقل العربي مُتبِع وليس مبتدعاً، عقل تابع لما سلف في الدين والعرف والعادات والتقاليد، وتابع لما يمليه العقل الغربي من أفكار وقيم ومبادئ، حتى كلمة السلفي والسلفيين حصلت على قداسة لا تستحقها، بينما هي كلمة سيئة السمعة ودالة على تلف العقل العربي، والكفار من أقوام جميع الأنبياء كانوا سلفيين فقد كانوا يقولون لكل نبي: «وجدنا آباءنا»، و«ألفينا آباءنا» «وإنا على آثارهم مقتدون» و«مهتدون»، والواقع أن الخطاب العربي كله في حاجة إلى وقفة، من الخطاب السياسي والثقافي والاجتماعي والإعلامي والديني، ولست أدري لماذا التركيز فقط على الخطاب الديني؟، فالخطاب العربي كله مستهلك وسلفي وشعاري، وهو نفسه الذي يتردد وتلوكه الألسن والأقلام منذ مئات السنين، ولم يعد هناك جديد يقال في كل مجال، فنحن قوم قوالون خطابيون نتحدث في نفس القضايا منذ زمن طويل، والمسألة بالتأكيد ليست تجديد الخطاب، فمن لا يملك الفعل وتطوير السلوك لا يمكن أن يملك تجديد وتطوير القول، والعرب حتى على مستوى الحرف اليدوية لا يملكون عقل الإصلاح ولكنهم يملكون يد التجديد، بمعنى أنهم لا يستطيعون إصلاح قطعة غيار متهالكة في السيارة مثلا، ولكنهم يلقون بهذه القطعة في القمامة، ويستبدلون بها قطعة جديدة، وهكذا يفعلون في كل أمورهم على طريقة استبدال زوج مكان زوج، استبدال حياة زوجية بأخرى وليس إصلاح أو ترميم حياة زوجية قائمة.
والعقل التابع السلفي لا يمكن أن ينتج جديداً في القول أو في الفعل، لذلك تتجدد الأزمات والمشكلات ولا تتجدد الحلول، لذلك تجدد الفيروسات والأمراض نفسها بينما العلاج لم يتقدم خطوة منذ مئات السنين، ومنذ القرن الـ19 يردد العرب مقولات التجديد والتنوير والتطوير ويتصارعون حول الأصالة، والحداثة وحقوق المرأة وحقوق الإنسان وغير ذلك من دون أن يتقدموا خطوة على الأرض، بل يتقهقرون إلى الخلف بسرعة الضوء، وما زالوا يتخبطون بين السلف والتلف والتجديد والتبديد.