الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

فتوى الإسلام السياسي في المغرب

لقد أثارت فتوى الفقيه المقاصدي «أحمد الريسوني» حول برنامج «انطلاقة» لدعم المقاولين الشباب، ردود فعل التيار السلفي من طرف الشيخَين السلفيَّين: حماد قباج، وحسن الكتاني، وتبع هذا النقاش لغط «فقهي»، لتسلط الضوء على قضية كبرى تتعلق بواقع النقاش العمومي في المغرب، وبالجهة المبادرة في خلقه وتوجيهه.

إن أصل هذا البرنامج هو أمر الملك محمد السادس بتطبيق معدل فائدة محدّد في 2% للمستفيدين من الشباب والمقاولات الصغيرة جداً، هدفه إطلاق دينامية جديدة تجعل من مبادرات الشباب أساساً استراتيجياً، لتجاوز إعاقة البطالة، التي غالباً ما كانت تُعزى إلى عجز الدولة وفشلها في تطويق هذه الآفة.

والإشكال الكبير الذي يستوقفنا، هو أن استحسان الداعية الريسوني رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، لهذا البرنامج والتشجيع على الاقتراض، في سياق فتوى تنص، بالواضح، على تعاطيه، لا يندرج في مجرد «الإباحة الشرعية» الخالية من أي خلفيات، كما هو ظاهر في ملفوظ الفتوى، وإنما ينم عن هدف سياسي، ينطلق سلفاً من مرجعية فكرية حول الخلافة والحكم، كما هو موطّد في أيديولوجيا جماعة «الإخوان المسلمين».


حاول الداعية أحمد الريسوني، انسجاماً، مع التحولات التكتيكية الداخلية التي باتت الجماعة تعتمدها من أجل انبعاث جديد، بعد اكتشاف تقادم خططها عقب ما حدث لها في مصر وتونس، أن يلتف على خطاب الدولة لمزاحمة مبادرتها في الانفتاح على الشباب وتطلعات المجتمع في تحسين أوضاعه المادية، وكأنه بذلك يخلق خطاباً موازياً لا يجعل من صوت الدولة منفرداً في الاستشراف بالمستقبل، لأن المستقبل الوحيد الذي لا بديل عنه في خطاب الإسلام السياسي، هو دولة الخلافة، هنا يتمثل ذكاء المقاصدي الريسوني الذي انتقل بفتواه حول الاقتراض من البنوك من حكم المنع إلى حكم الإباحة، على خلاف المحافظين داخل «الإخوان» وبعض الفصائل السلفية الأخرى التي يمثلها معارضوه، مثل الشيخين: حماد قباج، وحسن الكتاني.


لكن المثير في الأمر، أن موقع أحد الصحف العربية، قد أورد مقالة تحت عنوان «سجالات في المغرب العربي بعد فتوى الريسوني حول مشروعية قرض الشباب»، يوضح فيها أن هذه الفتوى لا تمثل رأي المؤسسة الدينية التي يترأسها الريسوني، بقدر ما تمثل رأياً شخصياً لا غير، وهذا يعني أن المشروع الإخواني يشهد خلافاً على مستوى التقديرات السياسية والتكتيكات في التعامل مع المتغيرات التي تشهدها المجتمعات العربية وأنظمتها.

ويلاحظ أن المجلس الأعلى العلمي المغربي، باعتباره المؤسسة الوحيدة التي يوكل إليها مهمة الإفتاء الرسمي، قد سها عن الاستباق في تأطير مسألة الاقتراض هاته، ما مكّن الجناح الدعوي الأيديولوجي من الاستحواذ على النقاش العمومي في هذه النازلة، وتوجيهه على النحو الذي يرتضيه، كما يلاحظ غياب المثقفين المتنورين عن ممارسة دورهم التنويري، وترك النقاش العمومي في مثل هذه القضايا الحسّاسة حبيس أيديولوجيا الإسلام السياسي.