الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

دنيا الفساد.. وخطوط الإنتاج

مع ترقب تسجيل حالات الإصابة بفيروس «كورونا»، اختفت من أسواق بعض الدول العربية الكمامات الطبية الواقية من الفيروس، بعدما عمدت بعض الشركات المختصة لشراء كميات وافرة منها سواء لتخزينها ورفع أسعارها للاستعمال الداخلي، أو بغرض تصديرها إلى الدول التي تشهد انتشاراً واسعاً لهذا الفيروس دون مراعاة الاحتياجات الوطنية بهذا الخصوص.

هذه الممارسات غير الأخلاقية والاتجار في الأمن الصحي للمواطنين هما وجه آخر للفساد الذي أصبح ينخر جسد الأوطان، بعد أن تحول إلى ثقافة مجتمعية وسلوك يومي بات يتطور بشكل سريع ويأخذ أشكالاً متعددة تصب جميعها في خانة واحدة، وهي تغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة، والكسب غير المشروع، والاستيلاء على الثروة والموارد، وإن كان الثمن تفقير أفراد المجتمع، وفي الحالة الراهنة الاتجار في أمنهم وسلامتهم.

وتشير التقارير الدولية إلى أن ثلثي دول العالم تعاني الفساد بنسب مختلفة وبأشكال متعددة، ويكلف خزينة هذه الدول أموالاً طائلة تتجاوز 3% من الناتج المحلي، أي ما يقدر بـ90 مليار دولار سنوياً، بينما تصل قيمة المبالغ المسروقة على مستوى العالم إلى ما يزيد على 2.5 تريليون دولار، وهذا مبلغ يساوي 5% من الناتج المحلي العالمي، وهذه الأموال المنهوبة التي تذهب لحسابات لوبيات فاسدة تقوض التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعمق الفجوة الطبقية المتنامية فيها، وتكرس مشكلتَي الفقر والبطالة، وتزيد من حدة الاحتقان الاجتماعي الذي يمكن أن يخلق جيلاً من المنحرفين أو المتطرفين.


الفساد أصبح آفة لها مؤسسات وخطوط إنتاج، تبدأ من تحقيق مصالح شخصية لأشخاص يعتبرون الرشوة إكرامية، والابتزاز ذكاء وتجارة، وتكبر وتتوسع لتصبح شبكات لنهب خيرات البلاد والاتجار في ثرواتها وقيمها وأمنها واستقرارها، ويضعنا في ذيل الأمم بعدما أصيبت في مفاصل حيوية ومؤثرة، كالصحة، والتعليم وغيرها.


إن الفساد هو العدو الأول للتقدم، وإذا كانت لدينا رغبة فعلاً في القضاء عليه، فلا بد من توفر إرادة سياسية، وسن قوانين صارمة، وبلورة برامج واضحة تنخرط فيها كافة الأطراف الاجتماعية والسياسية وفعاليات المجتمع المدني لرفع الوعي بخصوص الأبعاد المختلفة، والعلم بالقوانين التي تحكم سير المؤسسات الرسمية وتنظم أعمالها، مع غرس روح الانتماء الحقيقي للوطن والعودة للقيم والمبادئ.