الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

دولة المدينة.. وتلك الممالك الصغيرة

لفت انتباهي مقال في جريدتنا «الرؤية» للفرنسي مارك لافيرني، منشور في السادس من مارس الحالي وكان عنوانه (القرى الفرنسية.. من المحلية إلى العالمية).. في المقال نفسه، عبارات لافتة تشير إلى حد كبير نحو ما تتجه إليه العولمة، وتبلور مآلاتها وشكل العالم الجديد. لافيرني، كرئيس بلدية محلية سابق (وربما قادم)، تحدث عن الانتخابات البلدية في فرنسا، التي ستجري في منتصف هذا الشهر، وفي سياق مقاله الجميل فعلاً، قال بالنص عن الانتخابات: «هذه المعارك الشرسة لا علاقة لها بالانتماءات السياسية، لأن رؤساء البلديات يتم اختيارهم من سكان بلداتهم وفقاً لكفاءاتهم، ومدى قربهم من مجتمعاتهم، وأيضاً بحسب تطلعاتهم ورؤاهم لمستقبل مملكتهم الصغيرة التي يحكمونها».

ما يقوله لافيرني المتمرس عملياً، هو ما يعكس واقع التغير في العالم، والتوجه الجديد نحو ما يشبه «دولة المدينة»، فالدولة بمفهومها الحالي الحديث، أصبحت فكرة قديمة أمام التغيرات الجارفة التي جاءت برفقة ثورة تكنولوجيا المعلومات، وعليه صارت الانكفاءات نحو المدينة والقرية هي الأكثر جدوى عملياً للبشر بدلاً من التوسع نحو الدولة بمفهومها الأشمل، أو الإمبراطوريات بمفهوم التوسع القديم.

رئيس البلدية، أو العمدة أو حاكم الولاية (في حال وجود حكومات محلية في الدول الكبيرة)، صارت لديه مسؤولية أكبر في تمثيل من يحكمهم وتحقيق مصالحهم، وهو ما يعطي تصوراً لمفهوم متطور للدولة، تكون فيه «الفيدرالية» تسير بالتوازي مع «اللامركزية».


المدن، وهذا واقع فعلاً، صارت تبحث عن مصالحها الخاصة بتوسع صلاحيات أكبر من ذي قبل، والسياسيون التقليديون المنغمسون حد العبث بالإنشائيات والوعود الضخمة الوهمية فقدوا مصداقيتهم أمام السياسيين المحليين المنغمسين بقطاع الخدمات أكثر.


يستخدم «لافيرني» في مقاله تعبير «مملكتهم الصغيرة» كناية عن تلك البلديات والمدن والقرى الصغيرة، وهو تعبير حقيقي وواقعي في عالم أصبح هو بحد ذاته قرية صغيرة.

عالم، يمكن أن تشتري فيه فأرة كمبيوتر من نيوزيلندا، وواقي شاشة كمبيوتر من بريطانيا، وتبحث عن مادة أرخص سعراً في الصين لتصلك جميعها إلى صندوق بريدك، هو ذاته العالم الذي ينتشر فيه فيروس خطر كوباء كورونا، فلا يقدر السياسي أن يتصرف أمامه بكل سلطته الضخمة، لكن رئيس بلدية قرية يكون أكثر قدرة على أن يغلق قريته ويحمي سكانها بقوة قراره وشرعيته المحلية لا أكثر.

العولمة، تغيير ضخم، وبطيء مثل حركة الزحزحة القارية، لكنها على ما يبدو متجهة نحو «دولة المدينة»، وهذا لا يعني اختفاء مفهوم الدولة، لكن تطور المفهوم بما يتناسب وحاجات البشر المتغيرة.