الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الثقافة.. القوى الناعمة النقية

الثقافة هي القوى الناعمة بكل حالاتها وأسرابها وألوانها وأجناسها، يمكنها أن تُسهم في رسم وجه آخر للعالم الذي نعيش به، وسط متغيراته الكثيرة.

وطالما أسهمت الثقافات المتعددة في تشكيل الحضارة العالمية المشتركة، فالثقافة لم تتوقف قط عند حدود رسمتها حولها الطبيعة الجغرافية والسياسية أو الاستعمارية أحياناً، بل كانت كالماء والهواء تتدفق في عروق الأرض وأنهارها ومحيطاتها، وفي الفضاءات التي تسافر أبداً غيومها، وتزورها الريح من كل الجهات، حاملة عبق الإنسان وفنونه .

الثقافة التي تتجلى في سلوك الإنسان وأناقته وفنونه المختلفة، والتي ابتكرها ليقدم نفسه للآخر أو ليعبر عن ذاته أو يترك إرثه للأرض ومن عليها، في ظنه الأبدي، أنه، وإن فنى جسده، فالأرض وإنسانها يرثان فنونه وأفكاره، فيبقى حياً أبداً، كما نجد في النموذج العربي الكبير، المتنبي الذي لا تزال العرب قاطبة تتغنى به كرمز شعري لا يُنسى، حتى اللحظة، ثم إن الثقافة تتلون في اللغة أحياناً وفي الترجمة، التي سعى الإنسان منذ أمد طويل فيها، إيماناً منه أنها عروق فكر الشعوب .


الثقافة اليوم، طريقة فعالة لرأب صدع الشعوب، وتكميد آلامهم وقطيعتهم، التي تسببت فيها الخلافات السياسية، والانقسامات والحروب، وداعش التي تنبهت أن كل منتجات الثقافة هي عراقيل في وجه مخططاتها الإرهابية، لذلك وجدناها في العراق وسوريا تحطم التماثيل، إرث الحضارات التي تحدت في وجودها عوامل الزمن، فبقيت صامدة حتى جاءت معاول الدواعش وقضت عليها، ثم إنه ركّع المثقفين وأخرس الأدباء.


بالثقافة وما يُصنع من الآداب والفنون، نستطيع أن نرسم خارطة جديدة لعالم لا تُركّعه الحروب، فعالمنا المتجدد دوماً من الإلكتروني للرقمي، هي طرق حديثة تمنح المثقف تأشيرة دخول أبدية لكل جهات العالم. والشباب الموهوب ورثة المبدعين، بيدهم المفاتيح لفضاءات مفتوحة محررة من كل قيود الماضي وسياسات المستعمر الفكري، سيأخذون هذا العالم بمركباتهم المكوكية إلى عوالم جديدة وفضاءات أرحب.. فليفتح هذا العالم رئتيه لهواء نقي لم تلوثه مصانع التخلف، وتفك قيوده ثقافة حرة تنطلق حيث لا يوقفها شيء.