الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

التشخيص فوق الذرى.. والعلاج تحت الثرى

بلغ العالم ذروة التقدم في التشخيص والتوقع والتنبؤ، لكنه مازال في قاع التخلف فيما يتعلق بالوقاية والعلاج، فأساليب وأدوات تشخيص الأمراض وتوقع المناخ السيئ والتقلبات الجوية بلغت منتهى الدقة وصارت نسبة الخطأ فيها صفرا أو تحته، لكن أساليب وأدوات الوقاية والعلاج مازالت تحبو، ونسب الخطأ فيها فوق 80٪.

إن التقدم الذي تحقق كان في مجال الهندسة الطبية من أدوات جراحية وأشعة وتحاليل مخبرية، وفلكية من مناظير وتلسكوبات وأقمار اتصالات واستكشاف، أما العلاجات والأدوية وطرق التعامل مع التقلبات الجوية فمازالت كما هي منذ مئات السنين، وليس بمقدور العالم القضاء على الأمراض أو منع الرياح والعواصف والأمطار، فقط يتوقع ذلك كله ويشخصه ولا يقدم حلا أو علاجا، والأمراض لم تعد أكثر انتشارا من ذي قبل كما نتوهم، لكننا أصبحنا نعرف عنها أكثر ونستطيع تشخيصها.

والناس فريقان، فريق مريض ويعرف أنه مريض وفريق مريض ولا يعرف، وقد ازدادت أعداد الفريق الأول أضعافا بفعل التقدم المذهل في الهندسة الطبية، وإذا تركنا العالم وجئنا إلى الأمة العربية، فسنجد ذلك ماثلا تماما في كل مجال وليس فقط في الطب والتوقعات المناخية، فالعرب ملوك التشخيص والتحليل والتنظير ووضع التصورات في السياسة والثقافة والإعلام والشؤون الاجتماعية والنفسية، لكنهم يعانون فقرا مدقعا في العلاج والحلول.


نشاهد تقدما عربيا كبيرا جدا في عرض القضايا والمشكلات وتحليل الأزمات وتشخيص الأوضاع، وتخلف كبير جدا في وصف العلاج والحلول والمخرج من أي أزمة، ويبدو أن التشخيص والتحليل أكثر ربحا من العلاج، فعلاج الأزمة يعني إغلاق منافذ التكسب والتربح من التحليل والتشخيص، تماما مثل موقف القوى الأجنبية الدولية والإقليمية من أزمات وصراعات العرب فهي معنية بإدارتها وإطالة أمدها وليست معنية بحلها، لأن إدارة الأزمات تعني الربح والكسب.


والحل الذي يقتل الدجاجة التي تبيض ذهبا ليس حلاً أبداً، فمن غير الممكن قتلها واستبدالها بديك عقيم لا يلد ولا يبيض، وشغله الشاغل الصياح، وهكذا فالكل يتربح من التشخيص والتحليل والتنظير وإدارة الأزمات ولا أحد يتربح من حلها، وهكذا سيظل العرب أثرياء ثرثرة التشخيص والتحليل فوق الذرى، والعلاج والحل تحت الثرى!