السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الموعظة من كورونا

لعله لم يأتِ على البشرية حين من الدهر اجتمعت فيه الإنسانية كلها على كلمة واحدة، تبدّدت فيه فوراق الدين والجنس والقومية والعرق واللغة، واجتمعت شعوب العالم كلها على هدف واحد، متناسيةً الصراعات الدينية والحروب المذهبية والطائفية، لمجابهة هذا الوباء الفتاك.

لقد انقلبت حياة الإنسان المعاصر رأساً على عقب، فأغلقت المدارس والكليات، وعطلت المصانع ومكاتب العمل والمسارح ودور السينما ومراكز التسوق، وأُلغيت الندوات واللقاءات واجتماعات رؤساء الدول، وعلقت الرحلات الدولية، فغدت الحياة التي، تميزت بسرعة الحركة والانشغال الجنوني، هامدة راكدة، إذ أضحى الإنسان حبيس بيته، فاضطر، ولو على مضض، لقضاء الوقت مع الأهل أو الانصراف إلى مطالعة الكتب وممارسة الهوايات المنزلية التي لم يكن يتسنى له ممارستها لضيق الوقت وزحمة المشاغل.

كثيرون يرون وباء كورونا نعمة من الله، فهذا الفيروس المروع رغم مخاطره وسلبياته الكثيرة، له إيجابيات كثيرة للبيئة والإنسان، إذ أسهم في التقليل من التلوث البيئي الذي يهدد كوكب الأرض من فرط استغلال الإنسان للموارد الطبيعة، وسعيه الجنوني لتعظيم مكاسبه في الدنيا وإشباع شهواته المادية، متغافلاً عن القيم والمبادئ الأخلاقية الإنسانية، وبالبيئة ملحقاً أضراراً فادحةً.


أما على الصعيد الروحي، فقد أكّد الفيروس تفاهة الحياة وعجز الإنسان أمام مقدرة الله، سبحانه وتعالى، وأصابه الخوف من الموت، رغم أن حصيلة الوفيات من فيروس كورونا أقل بكثير من عدد الوفيات بسبب الأمراض الأخرى.


رئيس جمهورية الهند السيد رام ناث كويند، كتب في مقال له نُشر قبل يومين بأن: «وباء كورونا يقدم لنا رسالة واضحة أنه يجب علينا أن نحترم الطبيعة، لأن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي سخّر الكائنات الأخرى، وسيطر على كوكب الأرض، ووصل إلى القمر فيما يقف، اليوم، عاجزاً أمام فيروس كورونا: مخلوق مجهري غير مرئي بالعين المجردة، وعلى البشرية أن تعي بأننا، جميعاً، مخلوقات مثل باقي المخلوقات، ونعتمد لبقائنا على الموارد الطبيعية والحيوانية، لذلك فسعي الإنسان الجنوني لتسخير الطبيعة والاستغلال العشوائي المفرط لمواردها قد يؤدي بنا إلى طريق الهلاك، متناسين أن آباءنا علّمونا أن نحترم الطبيعة، لذلك وجب علينا أن نتوقف ونتدبر ونتعظ، لأجل عودتنا إلى الطريق الصحيح».

الآن وأنا أقضي عطلتي القسرية في البيت «بفضل كورونا» يقلقني مصير ملايين الفقراء الذي يكسبون قوتهم اليومي بالكد كل يوم، قد يقتلهم الجوع، وإن أفلتهم الفيروس الفتاك، ومن سيتحمل المسؤولية عن شقاء هذه الشريحة الكبرى من البشر؟