الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

كورونا.. الدرس بالصينية

لا شك أن الصين ضربت نموذجاً فذاً لإدارتها لأزمة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19)، وصار العالم مهتماً بالإجابة عن سؤال: كيف احتوت الصين ذات المليار والنصف نسمة الوباء في أول تجربة لانتشاره، في الوقت الذي تعثرت الدول العظمى في مواجهته، ولم تستفد من التجربة الصينية؟ لذلك اشتعل محرك البحث (غوغل) بأسئلة متفرقة عن طبيعة التنين الصيني الذي شغل العالم في العقد الأخير، ابتداء بالقفزة التنموية عالية المدى التي حققها اقتصاده، ومروراً بالأوبئة المتعددة التي تنطلق من جغرافيته، وانتهاء بالحرب الاقتصادية مع أمريكا.

التأمل العام في تفوق الصين في مواجهة وباء كورونا يقودنا إلى أن المعركة لم تكن عملية إدارة أزمة مفاجئة بجدارة عالية فحسب، بل كانت تجلياً لنظام سياسي واقتصادي وتنموي عالي الكفاءة، يتميز بتخطيط دقيق، ومرونة جيدة جداً، ورصد للتحديات، ومحاولة استشراف المستقبل، وقدرة على تسخير موارد الدولة في معالجة الأزمة بسرعة فائقة، وتمكن مذهل من استثمار القدرة على الابتكار والاختراع الفوري وخصوصاً في مجال الذكاء الاصطناعي.

الصين أثبتت أنها نموذج فريد (للدولة) التي تمكنت من تلبية كافة احتياجات شعبها، بالتالي اكتسبت ثقتهم، وبالتالي تمكنت من تنفيذ قراراتها بصرامة حكومية وانضباط شعبي عالٍ، وفي تاريخ النهضة الصينية يبرز محوران مهمان تدور حولهما كافة متطلبات النهضة.


المحور الأول: مرونة التحول من نظام شيوعي متزمِّت إلى نظام منفتح يراعي تلبية مصالح كافة الشعب وتقوم فيه الدولة بدورها كاملاً، وفي الوقت نفسه يفتح المجال أمام المبادرات الفردية والتميز الفردي، والمحور الثاني: الاهتمام بالثروة البشرية تعليماً وتدريباً وشراكة في المجال العام، فمئات الملايين من الشعب ليست عبئاً على اقتصاد الدولة، وليست تحدياً، بل قوة جبارة في البناء والإنتاج والابتكار.


وبالمقارنة بعالمنا العربي الذي يعد واحداً من أهم الخزانات البشرية، فإن الكثافة السكانية تعد هماً حكومياً، فتشيع بينه نسب الأمية والبطالة والانحراف والفوضى، فضلاً عن ضيق أفق الحريات والمشاركة في الحياة العامة، لذلك، ونحن المؤمنون دائماً بنظرية المؤامرة، فإن أزمة بربع أزمة كورونا لو مرت على بلادنا كما مرت على الصين، فإن الجدل مع الشد والجذب سيحكم الموقف، ولأننا دول ضعيفة التخطيط فإن الارتباك سيكون عنوان الأزمة، وسيكون همنا البحث عن المسؤول الخارجي عن الأزمة أكثر من تركيزنا على الحل الذاتي لها.

وفي كل هذا، أثبتت الصين أنها نموذج في القرن الـ21 يستحق الاقتداء به، والاهتداء بفلسفته وتحويله البشر إلى ثروة اقتصادية حقيقية.