الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مؤشرات انهيار العالم

سيشهد العالم غدا أربعة تحولات كبرى تحدّد مستقبله الإنساني بمفهومه العام، وهي تحوّلات اقتصادية واجتماعية وسياسية وقيمية، فالقطيعة التي أحدثها الوباء مع منطق كبار العالم للهيمنة والتحكّم في الإنسان، ستفرز بالضرورة خيارين.

إمّا جعل هذه القطيعة حقيقة تتجه إلى مراجعات عميقة لغايات الاقتصاد والتجارة والمال، بما يجعل هذه الغايات تستحضر إنسانية الإنسان وتتعامل معها بقدر واف من الموضوعية، وهذه مراجعة تؤسّس معنى للعالم تضمن له استمراريته الطبيعية، وإمّا أن تكون هذه القطيعة سطحية لا تتجاوز حدود التفاعل العابر مع ظرفية مخلّفات الوباء باعتمادها أشكالا جديدة للهيمنة والسيطرة، قاعدتها الربح البشع، وحتما لن يكون مآل هذه القطيعة المفتعلة إلاّ الزجّ المؤكّد بالعالم إلى نهايات متدرّجة، لا نهوض بعدها، نحو كارثة التوقف الطبيعي للإنسان والعالم، خاصة أنه لم يعد في متّسع هذا العالم أن يصمد مجدّدا أمام كوارث أخرى، سواء أكانت من صنع الإنسان أو من صنع الطبيعة.

ينطلق موضوع هذه المراجعات بالقطع مع السياسات الاقتصادية التي سنّتها الليبيرالية المتوحشة في مناخ ساعدها على التغوّل، متمثلا في نظام العولمة وما يعنيه النظام الدولي الجديد، ذلك أنّ العالم بات يعرف اختلالات كبيرة في توازناته الداخلية، ابتداء من التوسّع المريع للهوّة بين الأغنياء والفقراء، مرورا بتكتيكات السيطرة عن طريق إشعال الكبار للحروب الأهلية والدينية، انسجاما مع أهدافهم في الربح السريع اقتصاديا وماليا في هذه الاختلالات، فأصبح العالم اليوم فاقدا للبوصلة.


وما يُخشى منه الآن، أن النتائج الكارثية على الاقتصاد العالمي بعد وباء كورونا، لن تكون محطّة للمراجعات، بقدر ما تكون مناسبة لخيار الهروب إلى الأمام، نتيجة العجز عن إيجاد الحلول، باللجوء إلى حرب عالمية شاملة لخلط الأوراق وجعل الإنسان يبحث عن الأمن والاستقرار، أكثر ممّا يبحث عن قوت يومه وعن التوزيع العادل للثروات وعن كرامته.


من جهة أخرى، سيشهد العالم سياسيا نهاية الاتحاد الأوربي وسعي دوله إلى العودة إلى سيادة حدودها وأوضاعها قبل إنشاء الاتحاد، وهذا ما انكشف خلال تبني سياسات داخلية في مواجهة الوباء كما صرحت بذلك فرنسا جهارا وهي تتمسّك بالخيار الفرنسي في مواجهة كورنا بإغلاق حدودها أمام دول أعضاء شينغن.

أمّا الآثار الاجتماعية والقيمية فتتمثّل في حدوث قناعة الإنسان الأوربي، خاصة الإيطالي والإسباني بعدم جدوى الاتحاد الأوروبي، وسيتم تبني فكرة بريطانيا في الانفصال عن الاتحاد، خاصة أن المواطن الأوربي لم يشعر بأي تحسّن على مستوى يومه، عدا الزيادة في الضرائب وغلاء المعيشة، من هنا ستظهر قيم جديدة لها علاقة بالمصلحة الفردية من داخل الدولة الوطنية، وليس خارجها كما هو الوضع داخل أوروبا الموحدة.

فكيف سينجح العالم، ومنه بلادنا العربية، في التحضير الأمثل لأزمة أعمق، قد تأتي ما بعد كورونا؟