الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حين غاب الوعي عنَّا

كانت ومازالت قضية الوعي من القضايا التي دار حولها جدل كبير، ففي يوم من الأيام صدر كتاب لكاتبنا الكبير توفيق الحكيم حمل عنوان: «عودة الوعي»، وقد انتقد فيه فترة حكم الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقد أختار أن يصدر الكتاب بعد رحيل الرئيس، وتلقى الحكيم سهاماً كثيرة بسبب هذا الكتاب رغم أنه كان يعيش خريف عمره وكان الجميع يعلم مدى قربه من عبد الناصر، فقد كان الكاتب الوحيد الذي يراه عبد الناصر دون ميعاد سابق.

ظلت قضية الوعي واحدة من أهم القضايا التي يعاني منها المجتمع العربي بكل فئاته وكان الاتهام الأكبر عادة يوجه نحو النخب العربية حين فرطت في حقوقها، وانسحبت من الساحة وانقسمت على نفسها بين مؤيد ومعارض وهناك من الدلائل ما يؤكد ذلك.

إن غياب الدور الثقافي كان من أهم المؤشرات التي تؤكد غياب دور النخبة، وهنا لابد أن نرجع لأسباب هذا الغياب ابتداء بالصراعات السياسية والأيدلوجية التي مزقت الجسد العربي ما بين أحزاب ورقية ونظم استبدادية حتى انتهى الأمر إلى حروب أهلية قامت على العصبيات والقبلية أحياناً، وانتهت إلى صراعات ومعارك وتصفيات بين أبناء الدين الواحد، وبعد أن كان الدين يمثل أهم ثوابت العلاقات بين الشعوب العربية، أصبح مجالا للخلافات والصراعات والمعارك، وهنا فقدت النخب العربية أهم وأخطر أدوارها وكانت سبباً في سقوط الشعوب في دوامة القتل والإرهاب.


كان غياب الوعي أخطر ما ترتب على صراعات النخب العربية التي انتقلت إلى معارك بين طوائف الشعوب الأخرى، فكان دمار العراق وسوريا واليمن وليبيا، ولم تستطع حتى الآن قوة في الأرض أن تعيد شعوب هذه الدول إلى كلمة سواء.


وأمام غياب الوعي غابت أهم القضايا العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين التي وحدت في يوم من الأيام إرادة هذه الأمة شعوبا وحكومات، وبعد أن كانت قضية فلسطين هي قضية العرب الأولى تصدرت دول أخرى قائمة الأولويات وأصبح الاحتلال الأمريكي للعراق في صدارة القضايا، ثم كانت الحرب الأهلية في سوريا وفيها أطراف أجنبية، ثم جاء الدور على اليمن وما جري فيه، وفي ليبيا اشتدت المعارك بين أبناء الوطن الواحد وهنا كان التدخل الأجنبي الذي وجد فرصته في اختراق هذه الدول والعبث في مواردها وثروتها.

وكان ظهور فيروس كورونا من أكبر التحديات التي تواجه الشعوب والحكومات، حيث يكون غياب الوعي من أخطر الأزمات التي يعيشها المجتمع العربي الآن.

إن كورونا التي اجتاحت العالم وأغلقت الحدود وجعلت شعوب العالم كله تلزم بيوتها وليس حدودها، تمثل نقطة ضعف في حياة الإنسان العربي الذي اشترينا له السلاح وتركناه ضحية للأمية، وفتحنا أمامه أبواب العالم وتركناه ضحية لصراعات دينية، ووفرنا له كل أنواع الطعام ونسينا أن نوفر له دواء أو نشارك في صنعه.