الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

كورونا وانهيار التضامن الأوروبي

كشف الانتشار السريع لوباء كورونا عن مدى ضعف وهشاشة البناء الأوروبي، ولقد كٌتب لذلك الجموح الجماعي نحو السلام والتضامن في أوروبا، والذي جاء نتيجة الحرب العالمية الثانية، أن يتمكن من احتواء أخطار المدّ الشيوعي للاتحاد السوفييتي السابق.

وتعرّض هذا الموقف التضامني للعديد من عوامل التصدع والانهيار خلال العقود القليلة الماضية، وشهدت مظاهر الاحتفال بالنصر الذي حققته الديمقراطية، وخاصة عند انهيار الكتلة الشرقية، نهايتها عندما خسرت الأحزاب السياسية مواقعها لصالح الزعماء الشعبويين الذين رفعوا شعار العودة للتمسك بالقيم التقليدية والوطنية.

وكان السبب الأساسي لهذا التوجه العام هو تركيز أوروبا على فكرة الازدهار الاقتصادي من خلال الانفتاح الواسع على التبادلات التجارية العالمية، ولهذا السبب كان المؤيدون لفكرة الاقتصاد العالمي ينظرون إلى القيم الوطنية على أنها تمثل عوامل معيقة لهذه التغيرات الضرورية.


إلا أن هذه المحاولة لتفكيك الأمم لم تنتج عنها فوائد مشتركة للجميع، بل إن الإحباط والغضب الذي شعرت به الغالبية العظمى من المواطنين انتزع الشرعية من سياسة التمثيل الديمقراطي من دون أن يترك لأوروبا فرصة الدفاع عن سيادتها، ثم جاء انتشار فيروس كورونا ليلقي الضوء على عجز الحكومات الأوروبية أثناء سعيها لوضع حد لانهيار خدماتها العامة، وخاصة في القطاع الصحي.


ونحن نرى الآن كيف أن أوروبا التي حظيت باحترام العالم بسبب ثقافتها ونظامها التعليمي وعلمائها المشاهير، بدأت تفقد قدرتها على مواجهة الأزمة، وباتت عاجزة عن أن تقدم لمواطنيها أبسط أدوات الوقاية مثل القفازات والكمامات، واقتصرت الاستجابة الأولى للحكومات الأوروبية بعد اندلاع الأزمة على إغلاق الحدود بين دول منظمة «شينغن»، وهو إجراء يمكن أن يوحي بكثير فيما يتعلق بالعودة إلى المخاوف التقليدية.

ولا شك أن فشل أوروبا في الاتحاد أثناء مواجهة هذه الأزمة ستكون له نتائجه المستدامة، وربما يكون قد أدى حتى الآن إلى القضاء على ما تبقى من عوامل الثقة ومشاعر التضامن، وأسهم في تفكيك صورة أوروبا الموحدة أمام العالم، ومما يزيد الأمر سوءاً أن هذه الظواهر جاءت عقب التراجيديا المأساوية المتمثلة في الانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي (البريكست)، وبدا وكأن القارة أصبحت أشبه بسفينة من دون ملاّح.

وما حدث في بقية العالم هو خلاف ذلك، فلقد هيأت الأزمة العالمية الفرصة لتعزيز المصالح المشتركة للجنس البشري والسموّ فوق الأنانية الوطنية من أجل القضاء على الخلافات القائمة بين الدول المتجاورة، والبحث عن الأسباب الأساسية للأزمة.