الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الوباء.. وعيوب الاتحاد الأوروبي

ما فعله فيروس كورونا بدول الاتحاد الأوروبي كشف عن نقائص في البيت، وعن خطاب عدائي مترسخ ضد الوحدة في الثقافة الأوربية، وهو الخطاب نفسه الذي سهل عملية انفصال بريطانيا عن عمقها الأوروبي، وعبّد الطريق إلى صعود قوى شعبوية إلى السلطة، كما تظهر ذلك التجربة الإيطالية والنمساوية، وتؤشر إلى ذلك أيضا التجربة الألمانية، التي دخل إلى برلمانها اليمين المتطرف لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية، وتنبئ بها التجربة الفرنسية، التي تضع أيقونة اليمين المتطرف مارين لوبين على عتبة قصر رئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

لقد نسف كورونا بعنف منطق التضامن الأوروبي، إذ عندما كانت إيطاليا تغرق في محنتها مع هذا الوباء استنجدت بجوارها الأوروبي لكن لا أحد استجاب لها، فكل بلد وضع مصلحته الوطنية ضمن أولويات أجندته، وترك جانبا منطق التضامن الأوروبي.

من ناحية أخرى، فرض فيروس كورونا على دول الاتحاد غلق حدودها، في سابقة لم تنجح في تحقيقها حتى أعنف موجة ارهاب داعشي ضربت أوروبا، وأخطر موجة هجرة تكسرت على ضفافها، كما كشف عن هشاشة دول كان الجميع يعتقد أن ركائزها من حديد، ومفاصلها من فلاذ، وإذا ببعض هذه الدول تظهر في صورة نمور من ورق يتساقط سكانها بالآلاف في غياب التجهيزات الضرورية.. دول قوية اقتصاديًا وكلمتها مسموعة، ونفوذها السياسي ظاهرعلى المستوى الدولي لكن لا تملك البنى الطبية الضرورية لحماية مواطنيها رغم ثرواتها وإمكانياتها الهائلة.


لقد ضرب فيروس كورونا ـ في العمق ـ نموذج العولمة التي كانت دول الاتحاد الأوروبي بسبب عقيدتها الليبرالية، تحمل بزخم كل شعاره، وتروج بلغة مقنعة لقيمه الانفتاحية.


اكتشفت هذه الدول بفزع كبيرــ على سبيل المثال لا الحصرــ أن صناعة الأدوية الضرورية لأمنها في حالات الأزمة قد تم ترحيلها بمختلف مكوناتها إلى الصين، هي الآن تنتظر إعادة اطلاق ماكينة الإنتاج التوزيع الصينية للحصول على المعدات الطبية الضرورية، ومن ثم فرض فيروس كورنا على هذه الدول مراجعات أيديولوجية صعبة، حتى أن قوى اليمين الحاكمة في بعض بلدانها بدأت ترفع شعار التأميم للشركات الحيوية والمقاولات المنتجة، وتريد أن تعيد دور الدولة المستثمر إلى صلب العمل الحكومي، بعدما بنت مجد قيمها على المبادرة الفردية المبتكرة.

.