الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

القبض على عالم نانو

في كتابه الرائع «جامعات عظيمة» يروي البروفيسور «جوناثان كول» الأستاذ في جامعة كولومبيا وعالم «اجتماع العلم» المرموق، قصة إنشاء وصعود الجامعات البحثية في الولايات المتحدة.

لم يكن هدف الجامعات البحثية منح درجة البكالوريوس أو تخريج طلاب يجيدون تلقي المعلومات، بل كان الهدف هو الإنتاج المعرفي، وابتكار واختراع ما هو جديد، فلم يعد الهدف إنتاج خريج لأجل العمل الوظيفي، بل إنتاج باحث لأجل الإبداع الصناعي، وتطوير التكنولوجيا، وتقديم سلع ومنتجات جديدة، وتحصيل عوائد ومليارات عديدة.

أدركت الصين - كما أدركت غيرها - أنّهُ لا يمكن المشاركة في قيادة العالم من دون المشاركة في قيادة الجامعات والبحث العلمي، فشرعت بكين على إثر ذلك تُطور جامعاتها ومناهجها، وتشيد مختبراتها ومراكزها.


لم تكتفِ الصين بالعلماء الصينيين الذين استعادتهم من الغرب، بل راحت تستقطب علماء الولايات المتحدة وأوروبا المرموقين، وبينما كانت دول عديدة تتسابق لأجل الحصول على أشهر لاعبي كرة القدم، كانت الصين تتسابق للحصول على أشهر العلماء.


تواصلت الصين في عام 2011 مع أكبر عالم أمريكي في مجال علوم النانو، إنه أستاذ ورئيس قسم الكيمياء في جامعة هارفارد - والذي صار حديث العالم الآن - ريتشارد ليبر، إنه ليس فقط أكبر عالم أمريكي، بل هو أكبر عالم في العالم في مجال النانو، وهو مؤلف لأكثر من 400 بحث، وحاصل على أكثر من 50 براءة اختراع.

في عام 2011 نشر البروفيسور «تشارلز ليبر» بحثاً مثيراً في مجلة جامعة هارفارد، يتضمن البحث تصميم ترانزستور بحجم الفيروس، إن ليبر عالم كبير في مجال تصميم وتركيب أجزاء نانوية، لبناء أجهزة إلكترونية صغيرة، وقد قدمت الصين عرضاً سخياً للعالم الأمريكي لبناء مختبر لأبحاث النانو في جامعة ووهان، كان العرض الصيني يتضمن راتباً شهرياً يبلغ 50 ألف دولار، ونفقات سنوية كنثريات تتجاوز 150 ألف دولار، فضلًا عن قرابة 2 مليون دولار لإنشاء مختبر أبحاث النانو.

يتلقى البروفيسور ليبر دعماً حكومياً من البنتاغون، ويتوجب عليه أن يخبره بأي معاملات ماليّة أخرى، لكن ليبر - الذي أسس المختبر في جامعة ووهان، وسمح لفريق بحثي صيني بزيارة جامعة هارفارد لمدة شهرين سنوياً - قد قام بخداع البنتاغون والجامعة، ولم يذكر شيئاً عن اتفاقاته المالية أو تأسيسه المختبر.

في مارس 2020 ومع تصاعد أزمة كورونا، جرى القبض على العالم رقم (1) في مجال النانو بتهمة الكذب وتضليل السلطات، وقد يواجه حكماً بالسجن 5 سنوات، فضلاً عن انهيار صورته أمام جامعته.

وتبحث واشنطن الآن في شأن عدد كبير من العلماء والباحثين الذين استقطبتهم الصين على مدى سنوات، إنها ليست الحرب التجارية، بل هي الحرب العلمية.. الحرب على العقول، فلقد أكد فيروس كورونا ما كان معلوماً من قبل: العلماء هم الأمل، وهم أيضاً الخطر.