الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

براءة العرب

ظل العرب متهمين لفترات طويلة بأنهم عشاق نظرية المؤامرة، وأن العقول العربية تعجز عن التفكير العقلاني والموضوعي، وأنهم لا يعرفون قاعدة السببية لفهم وتفسير ما يجري لهم وحولهم.

الاتهام صدر عن مستشرقين كبار ومفكرين لامعين في الغرب وأيضاً عن سياسيين، ومع التكرار والإلحاح تحول الاتهام في نظر الكثيرين إلى ما يشبه الحقيقة المؤكدة، حتى إن بعضنا راح يردد ذلك وجاء هذا العام 2020، ومعه كورونا وصار وباء عالمياً يعصف باقتصاد وهيبة الدول الكبرى، كانت بدايته في الصين ثم اتّجه إلى إيطاليا وإسبانيا وألمانيا وبريطانيا واجتاح الولايات المتحدة الأمريكية.

باختصار لم يكد ينجو منه بلد، ومن البداية ظهرت نظرية المؤامرة لتفسير انتشار هذا الوباء، فعدد من الخبراء الروس ذهبوا إلى أنه فيروس مخلق في المعامل الأمريكية، والصينيون من جانبهم، على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية اتهموا الجيش الأمريكي بتعمد نشر الفيروس، أما الرئيس ترامب فلم يدخر جهداً في اتهام الصين.


ووجدنا كذلك مؤرخاً بريطانياً يتهم حكومة بلاده بأنها تتآمر على كبار السن لتتخلص من عبء تقاعدهم وعلاجهم.. اتهام آخر وهو أن الصين اختلقت هذه الأزمة لتطيح بالتفوق الأمريكي، وتؤمم بهدوء استثمارات الغربيين لديها، وهكذا سيل من تصورات التآمر، كل هذا بينما العرب تعاملوا بواقعية شديدة، واتّخذوا قرارات جسورة، وصلت إلى حد تعليق صلاة الجمعة، وإغلاق الحرمين الشريفين، وتعليق العمرة، والدعوة إلى التريث في الذهاب إلى الحج إذا لم يتراجع الوباء.


ولم يشغل العرب أنفسهم بأصل الوباء أو من وقف خلفه، وثبت أن نظرية المؤامرة ليست لازمة عربية، بل تصيب الإنسان أو يتبناها مجتمع إذا عجز عن الوصول إلى سبب مقنع وتفسير معقول لظاهرة ما، عندها قد يلجأ الإنسان إلى القول بالمؤامرة أو يلجأ إلى الغيبيات والأساطير، لعلها تقدم له تفسيراً مريحاً، وهكذا ينكشف تصور عنصري حول العرب ويتضح زيفه.

والحق أن الإنسان هو الإنسان دائماً في لحظات ضعفه، حيث يمكن أن يتراجع عن التفكير العقلاني والنقدي أمام مشاعر الخوف والقلق، ولا فرق في ذلك بين عربي وغربي.

وباء كورونا خلّف الكثير من الخسائر البشرية والاقتصادية، وبالتأكيد هناك دول ستتراجع ودول أو قوى سوف تصعد، ورغم بعض المؤشرات لا يزال الوقت مبكراً لتحديد ذلك بشكل قاطع، لكنه أسقط كثيراً من التصورات الذهنية المغلوطة، والتي سادت فترات طويلة حولنا نحن العرب.