الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

كورونا.. وما بعده

ليس جديداً القول إن عالم ما بعد «كورونا» لن يكون نفسه العالم الذي عرفناه قبل تفشي الجائحة المستجدة، التي غيرت كثيراً من المفاهيم، وكشفت عن مدى هشاشة هذا العالم وهزالة أخلاقياته واضمحلال علاقاته السياسية والاقتصادية.

لقد أظهر كورونا سوءة دول العالم المتحضر، وهي تتحول تحت وطأة الخوف إلى دول تتخلى عن قيمها السياسية وتمارس القرصنة الفجة في مطاراتها، وتتبادل خطف شحنات المواد الطبية، وأجهزة التنفس الصناعي التي كانت في طريقها لدول أخرى.

سيغير كورونا وجه هذا العالم، وستبدأ حقبة جديدة من التعاملات الدولية الاصطفافات العابرة للقارات والأديان والأيديولوجيا، والتي ستتجاوز أيضاً عامل التقارب الجغرافي والتاريخ المشترك والأحلاف الدولية التي خلفتها الصراعات والحروب في أواخر القرن الماضي، كما هي الحال مع دول الاتحاد الأوروبي، حيث كشفت الجائحة عن سقوطه في أول اختبار وجودي حقيقي.


لقد تركت دول الاتحاد قيم التعاون السياسي والاقتصادي ووحدة المصير، وتخلت عن شقيقاتها.. انهارت أنظمتها الصحية تحت ضغط الجائحة كما هي الحال في إيطاليا وصربيا ودول أخرى، ما اضطرها للجوء لقطب سياسي واقتصادي عتيد كالصين كانت تعده خصماً لعقود مضت، وانتقدت في المقابل حلفاءها التقليديين.


ستتغير أولويات العالم وتتراجع حمى بروتوكولات الدفاع الأمني المشترك وضجيج صناعة السلاح والسيارات وتطوير أنظمة الصواريخ وبرامج غزو الفضاء، لصالح ملفات علمية أخرى ملحة تصب في خانة حماية الجنس البشري من خطر الأوبئة والأمراض، التي أثبتت أنها أكثر خطورة وفتكاً من أسلحة العالم مجتمعة بالنظر لأرقام ضحاياها التي تجاوزت بأضعاف مضاعفة ضحايا الحروب والنزاعات المسلحة، بما في ذلك ضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين أسقط وباء الإنفلونزا الإسبانية وحده عدداً من القتلى يوازيهما أو يزيد، وفقاً لبعض الإحصاءات.

ستُطور دول العالم أنظمة جديدة للكشف عن الفيروسات بمطاراتها، بدلاً من أجهزة الكشف عن الأسلحة والمعادن، وستدقق في هويات القادمين من مناطق قد تكون موبوءة أكثر من تدقيقها في هويات القادمين من مناطق تنتشر فيها الجماعات الإرهابية المسلحة.

لكن يبقى السؤال الجوهري: هل يعيد العالم صياغة إنسانية الكوكب، وتراجع الدول الكبرى حساباتها الأخلاقية وتدرك أنها جزء من قرية كونية صغيرة، أم أن آثار كورونا ستجعلها أكثر انغلاقاً وعزلة وأنانية مما مضى؟.. دعونا ننتظر.