الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

كورونا.. وحسابات جديدة

لا يزال العالم يعيش توابع زلزال كورونا الذي اهتزت به أركان المعمورة، وكان سبباً في تغيير كل الحسابات، ولا أحد يعرف ما هو مقبل وقد يحمل مفاجآت أكبر، ويضع أسساً لعلاقات دولية جديدة.

لم يشهد العالم منذ سنوات بعيدة هذا العدد من الضحايا إلا في الحرب العالمية الثانية التي أطاحت بالملايين من سكان العالم، ودمرت دولاً وعواصم، ومن الصعب الآن أن يتحدث أي أحد عن حجم الخسائر البشرية المقبلة بتزايد الضحايا كل يوم.

لم تكن أعداد الضحايا هي النتيجة الأخطر لهذا الوباء، ولكن فشل الحكومات الغربية، خاصة الدول المتقدمة في علاج مواطنيها وإنقاذهم كان أيضاً من أسوأ النتائج، لقد أغلقت الدول حدودها ليس فقط أمام انتقال البشر، ولكن لمنع تسرب الأدوية والمعدات ووسائل الحماية، ولم يكن غريباً أن تتلقى دولة مثل إيطاليا مساعدات طبية من الصين، وأن تقبل أمريكا المساعدات الروسية، فقد فرض الرئيس ترامب الحظر على صادرات أمريكا الطبية إلى دول أوروبا حرصاً على المواطن الأمريكي.


لا شك في أن العلاقات الاقتصادية بين الدول الأوروبية وأمريكا ستدخل مرحلة جديدة، بعد أن ساءت هذه العلاقات أمام محنة كورونا، واتضح أن اتفاقيات التعاون بين هذه الدول لم تكن على مستوى المسؤولية والالتزام.


هناك أكثر من دولة سوف تعيد حساباتها في علاقاتها الدولية، وفي مقدمتها إيطاليا وفرنسا وإسبانيا وألمانيا، وهي من الأعمدة الرئيسية التي يقوم عليها الاتحاد الأوروبي.. فهل تبقى أوروبا كياناً متحداً أم أن المستقبل سوف يحمل مفاجآت أكثر؟ وهل تعود أوروبا إلى حدودها بعد أن اكتشفت حالة الفساد والتراخي التي تتغلغل في كيان المجتمع الأمريكي؟

إن كل مظاهر التعاون بين أمريكا ودول الاتحاد الأوروبي قد تكشفت أمام كورونا، وكان أكبر دليل على ذلك حجم الإصابات والضحايا في أمريكا التي لم يقف معها أحد في هذه المحنة.

إن الشيء المؤكد أن العالم لن يخرج سالماً من هذه المحنة، فهناك عالم ما بعد كورونا في كل شيء، هناك شعوب جديدة اكتشفت عجز وفشل حكوماتها وأحزابها ومؤسساتها.

إن أمريكا لم تعد كما كانت وكذلك إيطاليا وألمانيا وفرنسا وإسبانيا، وإن مئات الآلاف من الأوروبيين الذين عاشوا هذه المحنة سوف يغيرون مواقفهم أمام صناديق الانتخابات، بعد أن اكتشفوا الأكذوبة الكبرى التي عاشوا عليها أمام حكومات فشلت في إنقاذ حياة شعوبها.

إن الحديث عن القوى الجديدة الصاعدة، مثل: الصين أو روسيا كلام سابق لأوانه لأن كورونا لم يترك شعباً دون أن يغير كل شيء فيه، وإن اختلفت دائرة الإصابات، ولا شك في أن الصين قد نجحت في مواجهة المحنة وكذلك روسيا وربما اليابان والهند، وإن أوروبا أكثر الأطراف التي تضررت، ولكن من السابق لأوانه أن يتنبأ أحد بمستقبل الدول العظمى المقبلة، لأن الكارثة لن تترك أحداً فلا يزال الجميع في انتظار فاتورة الخسائر، وعندما تفيق الشعوب، وتنظر حولها سوف تتغير أحداث كثيرة.