الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

عصر جديد يتشكّل

في وقت تركّز فيه وسائل الإعلام على انتشار فيروس كورونا المستجد، وما يرافقه من أحاديث حول عدد الضحايا وقرارات صنّاع السياسات والخلافات بين الخبراء في وجهات النظر، فإن العالم يبدو وكأنه أصبح صامتاً تماماً.

ياله من هدوء يعمّ كل مكان من حولنا.. لم نعد نسمع أي ضجيج لزحمة المرور الخانقة في الشوارع، ما عدا أصوات سيارات الإسعاف التي تصمّ الآذان أثناء انطلاقها باتجاه أقرب مستشفى، ولم تعد هناك طائرات تحلّق في السماء ما عدا طائرات الهليكوبتر العسكرية التي تنقل المرضى من المراكز الصحية التي تجاوزت طاقتها الاستيعابية في باريس إلى المنشآت الصحية الأقل ازدحاماً في الأقاليم البعيدة.

إنه بحق جو غريب وغير مسبوق، لقد غرق العالم في مأساة لم يحدث مثلها من قبل بالرغم من أن فصل الربيع لا يزال يوحي بانطباعاته الجميلة، وأصبح الهواء أكثر صفاء ونقاء، وتفتقت الأشجار عن أزهارها اليانعة، ولا تزال الطيور تبني أعشاشها وهي تزقزق على نحو لم نعهده منذ سنوات، وتتغذى على الحشرات التي كانت قد اختفت منذ زمن بعيد.


كل هذا يمكن أن يذكّر جيل الكبار مثلي بطفولته الهادئة في هذه القرية ذاتها التي أعيش فيها، وربما ينطوي الأمر على بارقة أمل، فهل يمكن لأزمة فيروس كورونا أن تفتّح أعين الجنس البشري على التكاليف الحقيقية للتطور والتقدم؟ وهل يمكن أن تحث البشر على إعادة تقييم الاحتمال القاتل لبناء المستقبل على أنقاض الطبيعة المتهالكة والنمو الأسّي للاستهلاك؟


لقد بات واضحاً أن التوتر الذي يسود العالم يتراجع أمام ضرورة الاتحاد لمواجهة انتشار الفيروس، ولم تعد ظاهرة التواكل العالمي مسألة جدلية، بل أخذت تدفع الشعوب إلى تجنب الصراعات القومية، ولا بد من إعادة النظر في الرؤى الطموحة للقرن الحادي والعشرين حتى لو تطلب الأمر إلغاءها تماماً، ولقد انخفضت أصوات التحدي التي دأب على ترديدها قادة كبار كالتي تدعو لأن تكون «أمريكا أولاً»، أو تزعم بأن «الصين ستكون سيدة العالم بحلول عام 2049»، وخفتت أصوات السياسيين المتغطرسين في العالم أجمع.

وهذه كلها أخبار طيبة تجلب الأمل بأن تضع حداً لسياسات التنافس، وتفسح المجال للاهتمام بالتحديات الجادة التي تهدد الجنس البشري.

ولم يعد الهدف الآن مقصوراً على فكرة تجاوز الآخرين، ولا غزو أراضي وأسواق الغير، بل لخلق عالم جديد مستدام يصلح لمواصلة الحياة، ألا يدعونا ذلك لأن نرسم على وجوهنا ابتسامة؟