الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

أوطان ما بعد كورونا

«نموت، نموت ويحيا الوطن».. كان هذ الشعار يثير الحماسة، ويزيد من نسبة الأدرينالين في الدم فيما سبق من عصور ما قبل كورونا، وهو شعار أثبتت الأيام أنه حشوة لغوية لا أكثر، فأي وطن هذا الذي يمكن أن يعيش بموت مواطنيه؟ في عصر ما بعد الكورونا، وما سبقه من مرحلة انتقالية نعيشها بمعيّة الفيروس الشرس، نكتشف أن الشعار (وكل مشتقاته من شعارات مشابهة) ليس أكثر من عبارات عدمية لا معنى لها، فالعدو الآن ينتصر بموتك، وهو بدون دين ولا هوية ولا معتقد ولا انتماءات لتحاول تكييف مفهوم «الشهادة والاستشهاد» في سبيل أي شيء، هزيمة هذا العدو لا تكون إلا بأن تحيا ليحيا الوطن بالضرورة، وإلا تحول الوطن الذي تريد أن تموت من أجله إلى خرابة أشباح يصفر في زواياها الهواء.

مرحلة ما بعد كورونا، لجيل قادم، ستكون مختلفة في المفاهيم والقيم، وليس هذا سيئاً بالضرورة، فربما تكون المفاهيم والقيم القادمة أكثر إنسانية، وأقل تعصُّباً، وتضجُّ بالتعددية.

في جيل قادم، ينشأ الآن في عصر كورونا، هناك أسئلة كثيرة في رؤوس الصغار، أجوبتنا المعدة سلفاً لن تكفي لإشباع فراغات الدهشة فيها، أجوبتنا نحن صالحة لعالمنا المنقسم والمتشظي والموزع بين أجندات لا نهائية، توارثناها وضاعفناها أكثر وأكثر، والجيل القادم الذي يتشارك فيما تبثه «نتفليكس» مثلاً حول العالم، لن يتفهم كل هذا التشظي والانقسام، ولن يستوعب فكرة بذل النفس والروح لغير ما هو إنساني.


هذا الجيل، يشهد الآن بعينيه، بطولة لم يسبق أن شهدها التاريخ، بطولة مختلفة عن أبطالنا التاريخيين المختلف عليهم فيما بيننا، فمن كان بطلاً وطنياً في نظري، هو خائن في نظر خصومي، ومن رأيت في بطشه عملاً بطولياً، كان سفاحا في الطرف الآخر.


لكن، لا يمكن لأحد أن ينكر تلك البطولة الاستثنائية من أجل الإنسان، التي يقوم بها خط الدفاع الأول عن الإنسانية اليوم، الأطباء وطواقم التمريض والفرق الطبية والمسعفة.. هؤلاء أبطال حقيقيون، بالنسبة لجيل قادم، ولن يستطيع أحد إقناع ذلك الجيل بأن فارساً بائساً، أو سياسياً «وطنياً» سيكون أكثر بطولة من هؤلاء المقاتلين بالعلم والوعي والمعرفة.

وهذا يعني أن الأسلحة ستكون مختلفة، فالعلم سلاح، هذا ما علمنا ويعملنا إياه ما نحن فيه من جائحة عالمية، ولن تستطيع مقاومة الفيروس بالتعاويذ والجدل، ولا بالعنتريات البائسة، بل بالوعي والعلم والمعرفة.

هذا لا ينفي الإيمان، لكن الإيمان نفسه سيكون، في عالم ما بعد كورونا، إيماناً يحمي الإنسان ومصنوعاً من أجله.