الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

وقائع العربدة التركية في ليبيا

استغل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، انشغال العالم بجهود التصدي لوباء كورونا، ليوسِّع عملياته في ليبيا، وقد اتَّخذ التدخل التركي في ليبيا خلال الأيام الأخيرة ملمحاً جديداً قوامه الانتقال من دعم الميليشيات القريبة والمتحالفة مع حكومة الوفاق، إلى محاولة التصدي مباشرة لتقدم الجيش الوطني الليبي.

وقائع الأيام الأخيرة في ليبيا تبيّن أن النظام التركي انتقل إلى مرحلة التدخل المباشر، وعمد إلى إطلاق الطائرات المسيّرة لقصف المدن والقرى التي حررها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر من قبضة الميليشيات، واستهدف مراكز الخدمة المدنية والطبية التي خصّصتها الحكومة الليبية المؤقتة في شرق البلاد لمناطق نفوذها في الجهة الغربية.

في عمق التطورات الأخيرة تداخل بين الأبعاد الداخلية والخارجية، ففي البعد الخارجي استبق أردوغان بتدخله الأخير عملية «إيريني» التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في الأول من أبريل الجاري، في سياق مهمة جديدة لفرض حظر على تدفق الأسلحة إلى ليبيا.


مفيد التذكير هنا أن عملية «إيريني» تتقصَّد وقف الإمدادات العسكرية التركية، لحكومة الوفاق الليبية، وهو ما أثار توجّس حكومة الوفاق والنظام التركي، مقابل ترحيب الجيش الوطني الليبي بالعملية، لأن «الاتحاد الأوروبي بات متأكداً من الجهة التي تُشيّد جسوراً بحرية من أنقرة إلى طرابلس ومصراتة لنقل السلاح والمرتزقة»، حسب تأكيد طلال الميهوب رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي ببرلمان طبرق.


استعجل أردوغان وسرّع نسق تدخله في ليبيا، وغيّر من تكتيكاته لأنه كان واعياً بأن عملية «إيريني» ستوقف الأصابع التركية الممدودة في الخارطة الليبية، ما قد يحرم ميليشيات الوفاق من الأسلحة والمرتزقة.

في البعد الداخلي جاء التدخل التركي بعد التقدم الميداني الذي حققته عمليات الجيش الوطني في الغرب الليبي، وبذلك حاول معاقبة المدن والقبائل الليبية التي اصطفت إلى جانب المشير خليفة حفتر، وسعى إلى قطع خطوط التواصل بين مناطق الشرق والغرب التابعة للجيش الوطني.

التدخل التركي الأخير لن يكون بلا تبعات، بل إن هناك تبعات ثقيلة ستقعُ على حكومة الوفاق وعلى النظام التركي في المقام الأخير، لأن التدخل الأخير يزيل آخر ما تبقى من «شرعية» متداعية لدى حكومة الوفاق، وسيزيد تبعاً لذلك من الالتفاف الشعبي حول الحكومة المؤقتة.

يعبث أردوغان بالخريطة الليبية، ويُبالغ في الانتصار للميليشيات الإرهابية التي تلغُ في دماء الليبيين، ولكن المنطقة والعالم، بصدد الانتباه لأن السياسة التركية تتحول باطراد إلى ضرب من العربدة.