الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ارتداء الكمامة.. السلوك المحبّب

يبدو أن فيروس «كوفيدـ19» بدأ بتحطيم الحواجز النفسية بين الشرق والغرب، ونحن نرى اليوم كيف أن عادة ارتداء كمامات الوجه تنتشر بسرعة في صلب الحياة اليومية لشعوب الولايات المتحدة وبريطانيا والشرق الأوسط.

وكان ارتداء الكمامات التي تغطي الفم والأنف يُعتبر منذ زمن طويل من العادات الغريبة التي تتمسك بها شعوب شرق آسيا، وحتى عهد قريب جداً، كان كل من يرتدي الكمامة التي تغطي الوجه في الغرب والشرق الأوسط يثير الشكوك، ويوحي بأنه مصاب بمرض معدٍ يمكن أن ينقله إلى الآخرين.

وكانت هناك مناسبات خاصة تصدر فيها قوانين تحظر ارتداء الكمامات والأقنعة التي تغطي الوجه في الأماكن العامة لبعض الدول الأوروبية، وفي بعض الحالات، كان يُنظر إلى ارتداء الكمامات على أنه يمثل مقدمة لارتكاب الإرهابيين أو لصوص البنوك لفعل إجرامي، والآن انقلبت الأمور رأساً على عقب، وفي العديد من بلدان أوروبا والشرق الأوسط أصبح ارتداء الكمامات إلزامياً.


وفي 3 مارس الماضي، استسلم الرئيس دونالد ترامب لهذا التوجّه، وأيّد ارتداء الكمامات التي تغطي الوجه باعتبارها تندرج ضمن إطار «التدابير الصحية الطوعية الإضافية العامة» بالرغم من أنه لا يزال يرفض ارتداءها شخصياً.


وكنا نرى في أيام مضت كيف كان يُنظر إلى أكل السمك النيّء في أكلة «السوشي» على أنه عمل بربري أو عادة غير صحية لمجتمع متوحش، والآن، أصبحت أكلة السوشي من أشهر الأطباق التي تقدمها أرقى المطاعم العالمية، ويبدو أن شيئاً مماثلاً حدث في عادة ارتداء كمامات الوجه.

ولا تزال هناك بعض الشكوك والتحفظات حول تأثيرات وتداعيات ارتداء الكمامات، ففي واحد من أكثر التصريحات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تناقضاً، والذي نشر يوم 6 أبريل الجاري، توقفت عن التوصية بارتداء الكمامات لعدم وجود أدلة على فاعليتها للوقاية من العدوى، ويبدو أن المنظمة قد ضلّت طريقها.

وفي هذا الإطار، ورد في نشرة إرشادية صادرة عن «مركز الأمراض في الولايات المتحدة» يوم 3 أبريل الجاري، ما يشير إلى تطابق الرؤى حول الفائدة التي تنطوي عليها هذه العادة، ونصح المركز بارتداء كمامة تغطية الوجه عندما يتجول المرء في الأماكن العامة من أجل تجنب الإصابة بالأمراض المعدية، التي قد يحملها الآخرون من دون أن تظهر عليهم أعراضها، ويتلخص المبدأ العام بأن الهدف من ارتداء الكمامة ليس حماية من يرتديها ذاته، بل من أجل حماية الآخرين.

كما أن دفع الآخرين للشعور بالخطر وعدم الرضا عندما نتحدث إليهم من دون أن نرتدي الكمامات، يعد انتهاكاً خطيراً للأعراف والأصول السائدة في بلدان شرق آسيا، وفي المقابل، يعتبر ارتداء الكمامة عادة تثير الرضا، بأكثر من اعتباره سلوكاً أنانياً للوقاية والحفاظ على الصحة الشخصية.

وهذا الإحساس المتجذّر في الثقافة الاجتماعية لشعوب بلدان شرق آسيا التي تحيط بالصين، هو الذي يقف وراء النجاح في تخفيض عدد الإصابات والوفيات بسبب الفيروس.