الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

المغرب.. والإرادة المجتمعية

يشهد المغرب في مواجهته لجائحة كورونا تجربة مختلفة بالمقارنة مع ما يجري في كثير من دول العالم، أساس هذه التجربة هو تلك الاستجابة المجتمعية التي جعلت الفرد ينتقل من لحظة فقدان الثقة في كل شيء، إلى لحظة تأكيد الثقة في الإرادة الجماعية، لتجاوز ما يهدّد الحياة العامة والفردية.

تحقّقت سرعة هذه الاستجابة عبر نداء للتضامن أطلقه ملك البلاد، بإحداث صندوق «كوفيد-19»، لدعم الاقتصاد الوطني لمواجهة الصّدمات الناجمة عن هذه الجائحة بجملة من التدابير، تقترحها لجنة اليقظة الاقتصادية للتخفيف من التداعيات الاجتماعية لهذا الفيروس.

استقطب هذا الصندوق تبرعات غير متوقّعة وصلت إلى حوالي 28 مليار درهم مغربي، وبذلك أصبح السؤال اليوم متعدّداً فلسفياً وسياسياً واقتصادياً، حول إمكانية إيجاد نموذج تنموي جديد للإقلاع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي بالمغرب، من بين مداخله الكبرى التضامن الاجتماعي في سياق اقتصاد المعرفة، والذكاء الترابي، وتحرير الطاقات وتكافؤ الفرص.


وبما أن المغاربة أبانوا هذه الروح التطوّعية الكبرى في التعاضد والتكافل الاجتماعيين لمواجهة الأزمة، يبقى السؤال: كيف يتحوّل هذا الصندوق إلى فعل مستمر في الزمن؟ غير نهائي، يجعل من فكرة الإنسان الشامل في نطاق المواطنة المطلوبة رهاناً وطنياً وتاريخياً يترفّع عن الخلافات السياسية والأيديولوجية، بمعنى كيف يتم الانتقال إلى ما بعد أزمة كورونا؟ من فكرة هذا «الصندوق» إلى مأسسة التضامن بما ينسجم مع الطموح في بناء دولة اجتماعية عادلة تتناغم مع رغبة الأفراد في الحريات والعيش الكريم.


يكفي الاشتغال بفكر استراتيجي يبني مخطّطاته على المعطى البشري والتاريخي لجعل فكرة «الصندوق» خريطة طريق للمصالحة ومناسبة كبرى لبلورة ورش للمواطنة وللجدّية السياسية في اتجاه بلوغ فكرة «المغرب الصاعد».

تؤكّد هذه الأيام التي يطلق عليها الحجر الصحي أن المعطى البشري قوي ومفعم بروح التضامن والتفاني في خدمة فكرة «الوطن»، وهذا ما يؤكّده المجتمع المدني الذي انخرط في تنظيم حملات تحسيسية توعوية لإبراز أخطار الفيروس وطرق انتشاره، وإعلانه عبر وسائط التواصل الاجتماعي عن استعداده لدعم مباشر للفئات الأكثر هشاشة، خصوصاً في المناطق الجبلية والأرياف الفلاحية، وتحقّق ذلك في مناطق مختلفة، بإقدامه على تبرعات مالية وعينيّة تمّ توزيعها على الأسر المعوزة، كما عرض خدماته تطوّعاً على الأسر التي تتعذّر عليها مغادرة بيوتها، تحت شعار «نتسخّر ليك»، بمعنى أنا مسخر لكم باقتناء الأغراض التي أنتم بحاجة ماسّة إليها.

يتقاطع هذا المعطى البشري المدني مع معطى آخر مستجد يتجسّد في المعطى البشري الممثل في السلطة، بحيث انصهر المجتمع المدني والعسكري في بوتقة تضامنية واحدة، أصبح فيها بعض رجال السلطة رموزاً شعبية مثل: «القائدة حورية» التي بات يطلق عليها أيقونة حالة الطوارئ.

إذن، هناك ذكاء جماعي في المغرب بدأ يستيقظ، إبان هذه الجائحة، أمّا نجاحه مستقبلاً فهو مسؤولية مشتركة بين الدولة والمجتمع والنخب.