الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

تونس.. معركة الرموز

المعركة الحقيقية مع الإسلاميين، لن تدور في الشوارع والميادين وفي الساحات السياسية، بقدر ما سيكون المجتمع والفكر والمشتركات القيمية، ساحات نزالها الجديدة.

في المثال التونسي كان واضحاً أن الهدوء السياسي لحركة النهضة، لم يكن يعني تسليمها بخيارات التونسيين، أو وعياً بخصوصيات البلاد، بل كان صبراً سياسياً مارسته قيادات النهضة وقواعدها في مسارات التمكين، وكان مشروع التمكين، طويل المدى، يتقصَّدُ تعرية المجتمع التونسي من إجماعاته الثقافية والفنية والتاريخية الرمزية والدينية.

والواضح أن راشد الغنوشي تجاوز رسالة صديقه السوداني د. حسن الترابي، حين وجه له عام 2011 نصيحة مفادها: «أنصحكم بألّا تبدأوا في وضع برنامج الأسلمة والتمكين قيد التطبيق، قبل أن تُفككوا مؤسسات الدولة القديمة فهي خطر كبير عليكم، نحن جرَّبْنا هذا قبلكم وعانينا منه... يجب عليكم تفتيت مؤسسات وإدارة دولة بورقيبة العلمانية لأنها ستقاومكم.. فقط بعد إزالتها تستطيعون أن تبنوا الدولة الإسلامية المنشودة».


إزالة تمثال شاعر تونس الأول، أبوالقاسم الشابي، في مدينة عين دراهم الحدودية، وتحويل موقعه، صدم عموم التونسيين، وقبل ذلك تعرض قبر الشاعر محمد الصغير أولاد أحمد إلى التخريب، وقبل الحدثين قررت رئيسة بلدية تونس (النهضوية) تغيير اسم نهج في العاصمة من ابن عربي إلى نهج صربيا.


وقبل الأحداث الأخيرة، يمكن الإسهاب في استعراض العمليات التي طالت مقامات صوفية (مقام سيدي بوسعيد الباجي) أو تماثيل لرموز وطنية (تمثال المناضل الوطني الطاهر الحداد صاحب كتاب امرأتنا في الشريعة والمجتمع)، فضلاً عن محاولات التخريب المعنوي من خلال محاولات القدح والتشويه التي تطال كل الرموز الوطنية والتاريخية والفكرية، إضافة إلى استهداف الرموز الفنية والتظاهرات الثقافية وغيرها.

الجامع بين كل هذه الأحداث، هو أن العقل الإسلامي لا يتصرف بالصدفة أو وفق حنق مؤقت، بل يرسم خارطة استهدافه بدقة تنم عن سعي دؤوب لضرب الإجماعات التونسية ومحاولة تحطيم معالم الذهنية التونسية، التي بنيت طوال قرون من البذل الحضاري المشترك.

المعركة المقبلة معركة رموز، بين فئة واسعة من الشعب يفترض أن تذود عن وطنها ورموزه وإجماعاته، وبين جماعات لا وجود للوطن في أدبيَّاتها، لذلك تستهدف كل المشتركات المجتمعية وكل النقاط المضيئة في الضمير الجمعي.. المعركة المقبلة مدارها نمط التديّن الشعبي والملابس والرموز الوطنية والمناسبات الدينية، وغيرها من مشتركات التونسيين، لذلك فإن المجتمع يحتاج أن يلفظَ البثور التي تعتريه، وذلك لن يتحقق إلا بتعزيز الشعور الوطني الرصين.