الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

درس كبير.. تعلمناه

لم تخطئ نائبة رئيس المفوضية الأوروبية للقيم والشفافية فيرا جوروفا، عندما قالت عن أزمة فيروس كورونا «إنه درس كبير تعلمناه»، بعد أن تلقى العالم أكبر صدمة في تاريخه، واكتشف أن عولمة سلاسل الإمداد، خاصة المتعلقة بالمستلزمات الطبية والمواد الغذائية، انقلبت إلى نقمة بسرعة لا يتخيلها أحد.

الفجائية والسرعة التي اتسم بها ظهور فيروس كورونا وضعت العديد من الدول أمام أزمة عميقة دون أي مؤشرات مسبقة أو مخاض يعطي العالم فرصة الاستعداد والتجهز، ولعل أبرز تحدٍّ انفجر مرة واحدة في وجه العديد من الحكومات جراء تفشي الفيروس، هو الاعتماد المفرط للدول على عولمة التجارة وتجاهل أهمية التصنيع الوطني في ظل ما كانت توفره دول مثل: الصين والهند من سلع بِكًلَفٍ أقل بكثير مما لو تم تصنيعها وطنياً.

ولعل الوصف الأكثر تشدداً لهذا الموضوع ما قالته فيرا جوروفا: إن اعتماد الاتحاد الأوروبي في اللوازم الطبية على الصين والهند هو «اعتماد مرَضي»، وهذا الوصف لا ينطبق فقط على أوروبا بل يشمل أمريكا وغالبية دول العالم، التي كانت ترى في الدول الآسيوية «المصنع» الذي يوفر لها المنتجات بأسعار رخيصة، وبتوريد مستمر دون انقطاع.


حتى وصلت دول إلى الصراع من أجل الحصول على الأدوية والمستلزمات الطبية، ودول منتجة بدأت تتلكأ في التصدير، وتفضيل الاحتفاظ بمنتجاتها الدوائية لضمان أمنها الصحي، ليبرز السؤال الأهم وهو: ماذا لو تعمقت الأزمة ودخلت دول آسيا في حالة عارمة من تفشي الفيروس، وتعطلت سلاسل التوريد الدوائي والغذائي؟ ما الكلفة التي سيتحملها العالم؟ وكيف للدول أن تعالج خللاً مزمناً في غضون أيام أو أشهر معدودة؟


التجارة العالمية لن تكون الضحية الأولى لفيروس كورونا، ولكن من المؤكد أن سياسة التصنيع الوطني للسلع الاستراتيجية ستقفز إلى صدارة أولويات الدول خاصة أمريكا وأوروبا، إذ إن الدرس الأقسى الذي تعلمته هذه الدول هو صدمة اعتماد نظامها الصحي على دول أخرى، ووقوعها تحت رحمة استمرار عمل سلاسل التوريد، دون أن تفكر سابقاً بأن حدثاً سريعاً وغير متوقع قد يوقف هذه السلاسل، ويضع الجميع في الزاوية.

باختصار ورغم التغني بالعولمة وتأثيراتها الإيجابية ومساهمتها في التكامل والتعاون الدولي، إلا أن هناك أساسيات لا يمكن تجاهلها وأولها: ضمان الحد الأدنى من التصنيع الوطني للسلع الاستراتيجية.