الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

خطايا «المتأدلجين العرب»

يمكن وصفها بأنها مقارنة غير عادلة تلك التي نعقدها تحت وقع الحاجة لإقناع «عربي» جعلته حالة الاستلاب الأيديولوجي لعقله، يظن أن دولاً قائمة قديماً على ثقافة الغزو وحديثاً على سياسة تصدير الأفكار المأزومة، يمكن أن تكون أقرب له من دولة عربية أخرى، تتقاسم مع وطنه التاريخ المشترك والأرض واللغة.

ويعتقد بعض المتأدلجين العرب أحياناً أن الحديث عن مطامع دول إقليمية ذات شهية استحواذيه كإيران وتركيا هو حديث نابع من ضغينة تاريخية، متجاهلاً، أو جاهلاً ربما، حقيقة أن هذه الدول تقوم سياساتها في الأساس تجاه العرب على ضغائن وأحقاد تاريخية تبدأ بمعركة «القادسية»، ولا تنتهي بالثورة العربية الكبرى، التي طردت العثمانيين من جزيرة العرب والشام والعراق.

يخوض الإيرانيون والأتراك اليوم معاركهم الجديدة متكئين على أمرين لم يسبق أن اجتمعا بهذا الشكل من قبل، الأول: حالة التفكك والتمزق العربية، والأمر الثاني: وجود كثير من الأتباع العرب الذين انطلت عليهم حيلة التسلل تحت رداء «الإسلام السياسي»!


وإن القاسم المشترك بينهم يتمثل في العداء لأهم حاضرتين للثقافة العربية والإسلامية، وهما: السعودية ومصر، فالأولى محط أحقاد عملاء نظام الملالي، والثانية هدف مزمن لعشاق مسلسل «عودة أرطغرل»!


ففي اليمن مثلاً يحمل الحوثيون على اكتفاهم تركة ثقيلة من أحقاد نظام الملالي تجاه أكبر جيران اليمن، السعودية، صاحبة أطول حدود مع اليمن والدولة الأولى في استقبال العمالة اليمنية بالملايين، والداعم الاقتصادي والسياسي الأبرز لليمن في التاريخ المعاصر، فضلاً عن مكانتها الدينية كبلد يضم أقدس مقدسات المسلمين؛ مكة والمدينة.

وبالرغم من كل تلك البديهيات السياسية والتاريخية والاقتصادية، وحتى الوجودية في العلاقة بين اليمن والسعودية، تصر طائفة من اليمنيين الممسوسين بالأيديولوجيا على استعداء القريب، لصالح أجندات ذلك البعيد الذي لا يرى في العرب، سواء أعداؤه وأتباعه، سوى كائنات بدائية هدمت أمجاد الإمبراطورية الفارسية قبل أكثر من 1400 سنة.

وفي نموذج مشابه تماماً للنموذج الحوثي في التعاطي باستخفاف مع مسألة الجوار الجغرافي والمشتركات التاريخية، يبرز نموذج جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، التي تنهمك منذ سنوات في حالة استعداء مقيتة لمصر، مدفوعة بعُقد سياسية تم صقلها من قبل الخيال التوسعي المريض للنظام التركي، الذي تحوّل إلى طرف مباشر في حرب تبعد عن حدوده آلاف الأميال، على مقربة من النطاق الطبيعي لحدود الأمن القومي المصري، الذي يحارب ببسالة الإرهاب على حدوده الشرقية في سيناء، وعلى حدوده الغربية في ليبيا في ذات الوقت.