السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الأخلاق في زمن الأزمة

تمثل الأزمات بكل مستوياتها وأنواعها امتحاناً قاسياً لأخلاق الإنسان وقيم المجتمع، وغالباً ما تخرج هذه الأزمات جوهر حقيقة الإنسان؛ فيظهر منه ما كانت إرادته الحرة الواثقة المطمئنة تخفيه؛ نزولاً على توقعات المجتمع ومعاييره التي يحدد بناء عليها مكانة كل إنسان، ومنزلته على سلم المكانة الاجتماعية، لذلك عادة ما تُخرج الأزمات أفضل ما في الإنسان والمجتمع، أو أسوأ ما فيهما؛ وذلك حسب الأوزان النسبية للأفضل والأسواء في هذا الإنسان، أو ذاك المجتمع.

وبعيداً عن الدخول في الجدل الفلسفي القديم حول الطبيعة الإنسانية؛ هل هي أخلاقية بفطرتها، أم أن الإنسان يكتسب الأخلاق والقيم من المجتمع والثقافة، ذلك الجدل الممتد من فلاسفة الإغريق حتى يومنا؛ والذي انقسم إلى 3 تيارات كبرى: أولها يرى أن الإنسان كائن أخلاقي بطبعه؛ وهو رأي أرسطو وجان جاك روسو، وثانيها يرى أن البشر يولدون في حالة حياد تام، وأنهم يكتسبون الأخلاق والقيم من القانون والدولة؛ بوصفهما سلطات تستطيع أن تحدد للإنسان ما يمكن فعله، وما لا يمكن فعله، وهذا رأي أفلاطون ومن سار على فكره، وهو كذلك رأي فقهاء الشريعة الذين يرون أن غاية ومقصد الشرع هو تحرير الإنسان من نوازع ودوافع الغريزة والهوى، وهو ما قاله أبو إسحاق الشاطبي.

وثالثهما يرى أن المسألة الأخلاقية تقع ضمن اختيارات الإنسان النفعية، ورغبته في تحقيق اللذة، وأن الأخلاق تتحقق عندما تتسق الإرادة الفردية الجزئية مع الإرادة الكلية المجتمعية، وهذا الاتجاه يمثله جون ستيوارت ميل رائد المدرسة النفعية البرغماتية، وسار على نهجه برتراند رسل وغيره.


هذه الأزمة النادرة التي يعيشها العالم مع انتشار ذلك الوباء الخفي القاتل، الذي دفع العالم كله؛ بغض النظر عن اختلافاته الدينية والعرقية واللغوية والسياسية إلى أن يتعاضد من أجل الخروج من هذه الحالة المأسوية.


وتحت وقع هذه الأزمة ظهرت بصورة جلية المنظومات الأخلاقية الحقيقية للعديد من السياسيين ورجال الأعمال، وقادة الدول؛ بصورة تعكس التيارات الثلاثة، السابق الحديث عنها، حول الطبيعة الأخلاقية للإنسان.

فظهرت قيادات سياسية أثبتت للعالم أن الفطرة الإنسانية خيّرة بطبيعتها، ولذلك تعالت هذه القيادات فوق كل الخلافات والتحديات وأعلت البعد الإنساني فوق كل اعتبار آخر، وقدمت المساعدات، وسارعت إلى إسعاف كل من تستطيع حتى الخصوم، وعلى رأس هذه الدول تأتي الإمارات وروسيا والصين ومصر وكوبا، وفي المقابل كان هناك من استغل الأزمة للانتقام والتشفي والإضرار بالخصوم، وهنا تُبرز قطر وتركيا وأدواتهما الإعلامية، والحركات السياسية المرتبطة بهما.