الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الصدع الحضاري.. حديث آخر

لقد كُتب لفيروس كورونا أن يكشف النقاب عن سلسلة النقائص ذات الجذور العميقة، التي تعتري النظام العالمي الراهن، وخاصة فيما يتعلق بالفجوة المتسعة بين الغرب والحضارات البشرية الأخرى، وبين الأغنياء والفقراء.

وكان من الواضح أن هذا الداء غالباً ما يصيب الفقراء لأنهم يمثلون الشريحة الشعبية الأقل تمتعاً بالحظوة والاهتمام والحماية الصحية، وفي الولايات المتحدة كان العدد الأكبر من ضحايا الفيروس هم من الأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية والأفريقية، ووفقاً لما تقوله الصحافة البريطانية فإن 70% من العاملين الصحيين المتوفين في بريطانيا هم من أصول أفريقية وآسيوية وشرق أوسطية، وفي كاليفورنيا ازداد الطلب على المخابئ المجهزة بكل ما هو ضروري لمواصلة الحياة لعدة أشهر.

ويمكن للموجة الثانية من كورونا أن تضرب الدول النامية بقسوة، لأن هذه الدول ضعيفة التجهيز بالأدوات الطبية اللازمة، ففي قطاع غزة مثلاً يتوافر 20 جهازاً للتنفس الاصطناعي فقط لمليوني مواطن، وفي جمهورية أفريقيا الوسطى يتوافر 3 لكل 5 ملايين مواطن، وفي بوركينا فاسو 12 سريراً في غرف العناية المركزة لكل 20 مليون مواطن، وهذا ما جعل باحثي فرع كلية لندن الملكية في أفريقيا يتوقعون موت 300 ألف أفريقي من انتشار جائحة «كوفيد-19» وفق السيناريو المتفائل، وأكثر من 3.3 مليون ضحية وفق السيناريو المتشائم.


ويرى خبراء أن شعوب البلدان النامية سوف تتمكن من استخلاص النتائج المناسبة لهذه الأزمة، ومع بروز الضعف المزمن للأنظمة النيوليبرالية والاستعمارية الجديدة في مقدمة المشهد، وتقوض أسطورة الغرب الذي لا يُقهر، يتحتم على البلدان الأفريقية تسريع مهمة إنهاء الاستعمار حتى تتمكن من الاعتماد على الذات.


وبات من الأهمية بمكان أن تسرع هذه الدول نحو وضع الأسس الضرورية لإطلاق مشاريع الإصلاح الاقتصادي التي تمنح الأفضلية للأسواق الأفريقية طالما أن الغرب منشغل الآن بالتركيز على الأسس التي تضمن له مواصلة الحياة.

ولا شك أن الانتقادات المتكررة لرئيس الولايات المتحدة وبعده رئيس حكومة إنجلترا ورؤساء فرنسا وأستراليا للصين، وتهجّم الرئيس ترامب الأخير على منظمة الصحة الدولية، تشير كلها إلى تعميق جديد في ظاهرة الانقسام الحضاري.

وجدير بالذكر أن عتاة الساسة الأمريكيين الذين تفهّموا الوضع الحالي للغرب، يرون أن على الولايات المتحدة أن تحاول فعل كل ما هو ممكن للحفاظ على هيمنتها على المستوى العالمي بعد عصر فيروس كورونا، ولكن طالما أن الوباء أصبح ذا طبيعة عالمية، فإنه يحتاج لعمل جماعي عالمي.