الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

العام الأول.. بعد كورونا

أسوأ ما في أزمة كورونا الكونية، هو هذا التدفق من المعلومات الهائلة والعصية على الهضم والاستيعاب في وقت قصير وكافٍ، خصوصاً في ظل تسارع في الأحداث يتجاوز الحد الطبيعي، وهي أحداث متزامنة مع أزمة الوباء، وكان آخرها الانهيار في أسعار نفط تكساس مثلاً.

الأسوأ من هذا الأسوأ المذكور أعلاه، هو تلك الترهات والتضليل والافتراءات والاختلاقات، التي تظهر إما برسائل أو فيديوهات، منسوبة للعالم فلان من مركز أبحاث كذا، أو الباحث علان من جامعة ما، وغالبيتها تتجاوز المنطق والمعقول في حبكة نظرية المؤامرة.

تصلني تلك الرسائل، وغالباً من يرسلها يسألني عن رأيي (مفترضاً أني كصحفي أتابع كل الأخبار)، فأجيب بقناعتي الشخصية أنني لا أؤمن بتلك المبالغات التي تتحدث عن «عصابة» ما تحكم العالم، ولديها اللقاح للمرض، وهي تهدف إلى السيطرة على الكوكب بحكومة «شيطانية» واحدة وشرائح إلكترونية ستتم زراعتها في أدمغة البشر، هذا غير ضرورة التخلص من 500 مليون إنسان وإبادتهم.


الرسائل تتوالى ولا تنتهي، وهي تدور ويتناقلها الناس عبر هواتفهم، ما يجعلني أتساءل إن كانت قد وصلت بالصدفة إلى هاتف أحد أعضاء العصابة الشيطانية، ليدرك أن خطتهم الشريرة انكشفت!


تلك النظريات والحكايات المرعبة كانت موجودة قبل زمن كورونا، لكن في العام الأول «ب. ك» (بعد كورونا)، ومع الدهشة التي تلف العالم والذهول الأممي الموحد، وأمام حرب إنسانية غير مسبوقة متزامنة مع انتشار المعلومة بسرعة «كبسة زر»، فإن النظريات وتحت وطأة الرعب والخوف والذهول يتوهمها كثيرون حقائق راسخة.

الأسوأ، من أسوأ الأسوأ، هو غياب صوت العقل، وأحياناً غياب المعلومة نفسها، وهذا الغياب مرده إلى الجهل بحقائق كثيرة، إما أنها لا تزال مخفية لأنها جديدة على العلم، أو مخفية لأسباب التوظيف السياسي.

أسوأ الكل، هو التوظيف السياسي نفسه لأزمة تعصف بالبشر جميعاً، فلا تزال بعض الأنظمة المستبدة ترى في الوباء فرصة لتمرير أجندات الكذب والتدليس، وتبدأ بالكذب على نفسها حين تنكر أو تنفي أرقام الإصابات، وتخفي حقائق الوباء في جغرافيتها وعن مواطنيها، الذين يثقون بسلطاتهم وبلا خيارات أخرى.

شخصياً، علمت نفسي ودربتها على طرق بحث جديدة، مع كثير من التأني في تلقي المعلومة وهضمها، هذا عالم متسارع بالأحداث، لكنه أيضاً وفي سياق تسارعه مليء بالدجل والتضليل.

لست متشائماً ولا سوداوياً ولن أكون، وكذلك لن أغرق في وهم التفاؤل المفرط، هي وقائع وعالم جديد علينا أن نستوعبه لنعيشه.