الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

جنون «كورونا ميديا»

جزء كبير من الهلع الذي ينتاب العالم هذه الأيام من كورونا، ناتج عن أفكار متناثرة غير مترابطة، عشوائية في معظمها، ينشرها أهل سوشيال ميديا، وهو أمر قد يبدو التغلب عليه صعباً في ظل التغول الشديد لهذه الوسائل في بيوتنا، بل وفي عقولنا، والحل سيكون في ثقافة الانتقاء، وفي ثقافة إخضاع كل ما يقال لماكينة العقل والمنطق.

في الفترة الأخيرة ظهرت فئة من الناس شكلت سوشيال ميديا كل ثقافتها.. لا تحتاج إلى كتب أو صحف أو أفلام سينمائية، كما لا تحتاج حتى للذهاب إلى الطبيب إذا مرضت أو إذا مرض أحد أبنائها، مكتفية بالاعتماد على معلومات سوشيال ميديا في كل ذلك.

هذه الفئة صارت هي الأكثر حضوراً خلال أزمة كورونا العالمية، وأصبحت الوقود الذي يزيد من اشتعال الهلع في المجتمعات. انطلاقاً من تصديق الشائعات، والاعتقاد بأنها الحقيقة، وبذلك يتم نشر الخوف، ونقل الخطاء، والإهمال عن قصد أي دعوة لتغليب العقل والمنطق، وكأن ذلك رجس من عمل الشيطان.


الأزمة الكبرى، أنني قرأت لأكثر من كاتب ومفكر يزعم أن عصر الديمقراطيات القديمة قد انتهى، ليبدأ عصر ديمقراطية سوشيال ميديا، فأتساءل بيني وبين نفسي: بأي ديمقراطية يبشرون؟، هل ديمقراطية انفجارات فيسبوك وبراكين الجروبات المغلقة والمفتوحة؟، أم هي ديمقراطية فضائح إنستغرام و«بلاوي» تويتر؟


الملاحظ، أن هناك فريقاً يعتبر هذا المشروع الإنساني العملاق هو مجرد سطور مكتوبة على فضاء إلكتروني، يتناولها البعض باستخفاف، لا بعقل، وفريق آخر يربط بين «التحول الرقمي»، الذي حققته بلدان العالم المتقدم، وسوشيال، وهو ربط يتميز بالسطحية الشديدة، التي بنى عليها بعض كبار الكتاب والساسة ومواطنون في مشارق الأرض ومغاربها، مواقفهم على بضع كلمات يخطها أشخاص عاديون أو غير عاديين.

نعم، سوشيال ميديا مهمة، وتشكل جزءاً كبيراً من إعلامنا وحياتنا الجديدة، لكنها ليست كل شيء، هي ليست الثقافة، وليست الحياة، وليست خبرة الدنيا، كما أنها لا تؤسس لأي ديمقراطيّة جديدة، كما أنها أيضاً ليست «التحول الرقمي».

هنا لا بد من وقفة حقيقية أمام هذه السطحية الشديدة، التي يتعامل بها البعض مع هذا الأمر، إذِ لا بد من نظرة مغايرة للأمور، فنحن من صنعنا هذا العالم، ونحن من نتعامل معه على أنه الحقيقة الأولى.