الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

كورونا.. والمأزق الأخلاقي

ما أحدثه كورونا من تبعات في العالم، لم يقتصر على الجوانب الصحية والاقتصادية والسياسية، بل امتد أيضاً إلى أسئلة أخلاقية وفلسفية، فالنقاش الذي استعر في ذروة التفشي كان نقاشاً أخلاقيّاً وفلسفيّاً في وجهه المخفي.

انبثق النقاش الأخلاقي من ارتفاع عدد الموتى والمصابين، مع زيادة الخسائر الاقتصادية، فكان على العالم أن يسارع نحو محاولة إيقاف الوباء لإيقاف عدّاد رقمَي المصابين والخسائر.

وفي غمرة الاهتمام العالمي بإحصاء مصابيه وتفادي التفشي، وفي ظل تأخر المخابر عن اكتشاف مَصل أو تدبر لقاح، بدأت الأصوات ترتفع منددة بتواصل الحجر بما يعنيه من خسائر على الاقتصادات وعلى الفقراء تحديداً، فكان على العالم أن يرتب أولوياته، هل يقدم صحة الإنسان أم ينتصر للاقتصاد ويسمح للفقراء بالعودة لأعمال يتدبرون منها قوت يومهم؟


عندما تجرأت بعض الدول والحكومات على إعلان نيتها رفع الحجر الجماعي كانت تعبّر عن امتعاض دفين بدأ يطل بوجهه، وكانت تترجمُ تذمّرات اجتماعية واقتصادية، استوى في التعبير عنها الفقراء وأصحاب رؤوس الأموال.


دول عديدة في العالم بدأت خطوات التخفيف من إجراءات العزل العام، كالولايات المتحدة، وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا، وغيرها من الدول التي تتصدر قائمة الدول صاحبة الأعداد الأكبر في الإصابات.

منظمة الصحة العالمية أوصت بضرورة أن تكون إجراءات رفع العزل العام المفروضة تدريجية، لأنه إذا جرى رفع القيود قبل الأوان فستحصل عودة للعدوى.

لكن دافِع الدول التي فكرت في تخفيف إجراءات العزل العام، ولو بفتح تدريجي للمتاجر، يختلف عن منطلقات منظمة الصحة العالمية، فالدافع الأول اقتصادي واجتماعي يضغط بقوة، وهو دافع لا يفتقد الوجاهة، والمنطلق الثاني علمي وطبي لا يعدم سبل الحجاج بنبله وصرامة معاييره.

في هذا المأزق الأخلاقي والسياسي، تساوت مخاوف النتائج المترتبة عن مزيد تفشي الوباء، مع مخاوف مقابلة من عدم قدرة الفقراء على مجابهة أشهر أخرى بلا عمل، ولا مصدر دخل.

ولئن كان فيروس كورونا «عادلاً» في توزيع أعراضه، على الفقراء والأغنياء، وعلى سكان الدول الغنية وسكان الدول الفقيرة، فإن أسئلته تُطرح أيضاً في البورصات كما في الأسواق الشعبية، في الشركات وفي أرصفة المتسولين.

السؤال أخلاقي وحارق؛ هل تنتصر البشرية لصحة البشر وتواصل إجراءات تحاول إيقاف التفشي وتضحي بما يترتب عن ذلك من تبعات بدأت تفرج عن مقدماتها، أم تراعي الهموم الاقتصادية والاجتماعية للبشر والدول والشركات، وتغامر بفتح الشوارع والمحلات، بما قد تنفتح عليه المغامرة من انتكاسة وبائية؟