الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

بين نارين.. ومُرَّيْن

أصاب فيروس كورونا كل قضايا العالم في مقتل، فماتت جميعها ليصبح الوباء هو قضية العالم الوحيدة، وعندما يصبح العالم ويمسي مشغولاً بقضية واحدة وغارقاً فيها حتى أذنيه يكون الإعلام هو الخاسر الأكبر، فلا فضل لصحيفة على أخرى ولا لقناة على قناة ولا لموقع إخباري على آخر، ويختفي التميز والسبق والانفراد وتصير كل الطبخات الإعلامية غير طازجة أو كما يقال بلهجة المصريين (أخبار بايته)!
وهنا يلجأ الإعلام إلى ما يسمى الفبركة واختراع أخبار يولدها من رحم كورونا في محاولة لإعطاء مكسبات لون وطعم ورائحة لطعام فاسد، مثل أخبار زواج مصابين اثنين بالفيروس، أو قصة غرام ولدت في المستشفى بين ضحايا كورونا، وبشيء من الوعي لا يخفى أبداً أنها جميعاً أخبار مبالغ فيها أو كاذبة، والخلاصة أن كورونا لم يترك للإعلام ما يقوله فصار الإعلام نفسه معزولاً حائراً لا يدري ماذا يقول، وأظن ـ وليس كل الظن إثماً ـ أن العالم مقبل بقوة على مرحلة التأقلم والتعايش طويلاً جداً مع هذا الفيروس، وأن الإغلاق والحظر والعزل وما شابه من إجراءات لن تستمر لأن استمرارها إلى ما لانهاية يعني انهياراً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً شاملاً مع بقاء كورونا صامداً وقوياً ومتصاعداً، كما أظن أن دول العالم ستجد نفسها عما قريب بين نارين، نار الإغلاق وتوقف الحياة والانهيار الشامل، ونار استمرار كورونا بنفس قوته وفتكه، لذلك لن يكون هناك خيار آخر سوى فتح أبواب الحياة من جديد مع ترك مسؤولية الحفاظ على الصحة، وتطبيق الإجراءات الاحترازية للأفراد أنفسهم من دون وصاية أو قرارات إغلاق، وظني أن الدول مسؤولة بشكل مباشر عن الاقتصاد والإنتاج والعمل والحياة العامة، ولكن الأفراد مسؤولون عن صحتهم وسلامتهم مع توفير كل وسائل الرعاية لهم من جانب الدول.
لقد صارت قضية كوفيد التاسع عشر مملة ولا جديد فيها وأصبحت مثل (العلكة أو اللبان) يلوكها الناس ثم ينسونها في أفواههم، صارت مثل شعر وكتابة المناسبات سخيفة، وكل من لا يجد ما يكتبه ويقوله يتحدث عن كورونا، كما يتحدث عن أي مناسبة مثل رمضان والعيد وغيرهما، ولا يجد جديداً يقوله وربما يعيد ما قاله في نفس المناسبة قبل عام، فالعالم كله يدور حول نفسه، والإعلام العالمي يلف ويدور لمجرد أن يوقع بالحضور في عالم يتقلب بين نارين ومُرَّين!