الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

حاجتنا إلى الفلسفة السياسية

يعد الحديث، اليوم، عن ضرورة العودة إلى الدولة في سياق هذه الجائحة، ذا أهمية خاصة تُجليها النكبات المتتالية، التي أضحت تعيشها الدولة أخيراً، وموازاة مع انهيار مصالح «المجتمع القاعدي» بتعبير جون رولز في «نظرية العدالة» وهو ينظر إلى مفاهيم الإنصاف كأسس لبناء نظم اجتماعية تضمن توزيعاً عادلاً للثروة وللمنافع في المجتمع.

لكن كثيراً من التأويلات راحت إلى غير ما أراد رولز أن يسعى إليه، ففُهم البعد الاجتماعي للدولة فهماً ناقصاً ومغلوطاً، إذ اعتقدت على نحو شعبوي، أن مفهوم توزيع الثروة يعني تلك العلاقة الميكانيكية فيما بين حجم الثروة وعدد أفراد المجتمع.

أورد توماس بيكُتي في كتابه «الرأسمال في القرن الحادي والعشرين»، أن كثيراً من الأطروحات الفكرية والسياسية حول توزيع الثروة، قد وقعت في حكم القيمة، وفي انفصال موضوعي عن ديناميات الواقع، لأن كثيراً منها سها عن المعنى السِّيادي للدولة، وعن الأدوار المنوطة بها لخلق التوازنات الكبرى في المجتمع.


ويلاحظ توماس وهو يتحدّث عن تحدّيات الرأسمال في القرن الحادي والعشرين، إشارته إلى ضرورة البحث عن نظرية جديدة للدولة، انطلاقاً من أصول فلسفية تدعم الوظيفة الجديدة للاقتصاد الداعم للمجتمع.


هنا، يحضرني الكتاب الجديد للمفكر المغربي عبدالإله بلقزيز«في الدولة - الأصول الفلسفية»، الذي حاول فيه التأكيد على الحاجة إلى الدولة وعلى أدوارها الحيوية في الأمن الإنساني وتنمية المجتمعات، لذلك نلفيه يعمد إلى تفكيك بعض النصوص المؤسّسة ومحاورتها، بهدف إعادة بناء شبكة مفهومية للدولة، على ضوء الواقع والمآلات المأساوية التي آلت إليها في السنين الأخيرة بخاصة.

فلم يتورّع عن التحذير من مغبّة الإرادات الضدّية للسيادة ومن آفة خطاب «المابعديات» (ما بعد الدولة - ما بعد المجتمع - ما بعد السياسة)، لأن هذه الضديَّة في نظره محمولة على طوباوية مفارقة للإمكان، لا يصدق بموجبها عملياً، قيام كونفدرالية دول كونية تنخرط فيها كل الدول «أو تحقّق» مجتمعاً كونيّاً مفتوحاً، وفي تحليله لاستشكال العلاقة بين حدَّي الحرية والدولة، بعد نقده للنصوص الفلسفية، يقف بلقزيز موقفاً حذراً غير منساق إلى هذه الأطروحة أو تلك، وذلك بإصراره على أن مشكلة الحرية هي مشكلة نظام سياسي ومشكلة مجتمع على السواء، فلا يمكن لنظام أن يصادر الحرية، إلا متى كانت فكرتها ضعيفة في الوعي والوجدان العامَّين.

ولم يتورع من انتقاد التوجه الجديد لأيديولوجيا حقوق الإنسان، التي باتت تسعى إلى حيازة الحق فوق الدولة وفوق القانون والضغط على الدولة للتسليم به، وإن تنافى مع الحقوق الأخرى كالعدالة والمساواة، وهنا نجده يشدّد على اختلافه مع المفكرة حنّة أرندت، باعتبارها أن الحرية ضد السيادة، لما وضعت مبدأ الحرية في مقابل مبدأ الإرادة العامة.

إنّنا حقاً بحاجة إلى إعادة الاعتبار إلى المرتكزات المفهومية للفلسفة السياسية، لفهم ما يجري، اليوم، وما سيحدث غداً.