السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

الرؤية الإيجابية للأحداث التاريخية

حركة التاريخ لا تعرف العبثية ولا الصدفة، ولا يحدث فيها ولا منها حوادث إلا ولها أسباب متراكمة عبر زمن طويل، أدركها الإنسان والمجتمع أو لم يدركاها، وكذلك لها نتائج على المدى الزمني البعيد، فالتاريخ حركة دقيقة جداً، وصيرورة متفاعلة بصورة أكثر انضباطاً من تفاعلات الكيمياء في المختبرات.. التاريخ لا يجامل أحداً، ولا يظلم أحداً، كل ما نحن فيه صنعناه بأيدينا، وبأيدينا نصنع لأولادنا وأحفادنا، فماذا نحن تاركون لهم؟

كان أستاذي الدكتور عزالدين فودة، رحمة الله عليه، يردد دائماً: إن الله لا يفعل إلا خيراً، يقولها في البأساء والضراء، بيقين ثابت قوي، كان الأمر بالنسبة لي غريباً أن تكون لديه هذه العقيدة الراسخة، أن كل شيء يحدث هو خير. إذا أخذنا مثالاً من التاريخ، فسنجد أن الغزو المغولي، وتدمير الدولة العباسية، وسقوط بغداد الأول كارثة تاريخية من جانب، ولكنه تحوَّل بعد فترة قصيرة، إلى تجديد كامل لدماء الأمة الإسلامية من خلال دخول شعوب الترك والمغول في الإسلام، وانتشارهم من الهند إلى حدود موسكو، ومن الصين إلى الأناضول، وظهرت بعد ذلك دول ومجتمعات إسلامية من شمال غرب الصين إلى البلقان، مروراً بتركيا وجميع جمهوريات آسيا الوسطى، وظهرت حضارة المغول المسلمين في جميع أنحاء الهند لمدة خمسمائة عام، حتى قدوم الإنجليز، وكذلك، وبالمنطق نفسه، كان فشل الحملات الصليبية على الشرق كارثة على ملوك أوروبا، ولكن هذا كان بداية النهضة الأوروبية من خلال نقل أعظم منتجات الحضارة الإسلامية إلى القارة التي تعيش في ظلام دامس، فظهرت الجامعات، وظهرت الأوقاف، وتغيَّر نمط العمارة، وظهرت كل إبداعات الحضارة في اللباس والمعيشة والسكن، وبدأ عصر الأنوار من خلال ترجمة ما أبدعه المسلمون، وما نقلوه عن الإغريق.

وإذا نظرنا إلى تداعيات أزمة كورونا على مختلف مستويات الإنسان والمجتمع سنجد أن لها وجوهاً إيجابية قد تفوق بمراحل سلبياتها... والتحدي الحقيقي الذي لنا كأفراد ومجتمعات، هو أن ندرك تلك الوجوه الإيجابية التي تبدأ من إعادة ترميم العلاقات الأسرية، بل إعادة اكتشاف الأسرة بعد أن كادت تقضي عليها الطموحات الاقتصادية، وتمتد تلك الإيجابيات إلى إعادة الروح الإنسانية للعالم المادي، الذي فقد إنسانيته تحت وقع أجراس البورصات وأسواق المال.


والخلاصة أن حوادث الزمان وحركة التاريخ، وما نشهده من أزمات وكوارث لها وجوه متعددة، والبراعة أن نحولها من الوجه السلبي، والمعنى المثبط الذي يدفعنا لليأس، إلى الوجه الإيجابي، والمعنى الدافع الذي يقودنا إلى العمل والإنجاز «لأن الله لا يفعل إلا خيراً».