الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

الكمامة.. أيقونة الفشل الأوروبي

بينما تستعد الدول الأوروبية للخروج تدريجياً من آليات الحجر الصحي، ومحاولة إعادة إطلاق مختلف المحركات الإنتاجية لاقتصاداتها، تحوَّلت الكمامة إلى جسم رمزي يجسد سياسياً وإعلامياً كل الهفوات والنواقص، التي ميزت المعالجات الأوروبية لوباء كورونا.

وعلى خلفية هذه الجائحة، اكتشف الرأي العام الأوروبي بهلع كبير أن طبقته السياسية الحاكمة حاولت في مختلف مخرجاتها الإعلامية ومشاريعها التواصلية، إخفاء واقع مرير، يتمثل في عدم امتلاك هذه الدول لمخزوناتها الاستراتيجية من الكمامات، استعداداً لأي وباء كيمياوي أو بكتريولوجي، حيث كانت معظم الدراسات الأمنية الاستشرافية تتنبأ بوقوعه على المدى القريب.

وعوض الاعتراف بهذه الخلل الاستراتيجي، اختارت دول أن تمضي قدماً في سياسة الإنكار والكذب العام حول جدوى وفاعلية الكمامة في حماية المواطنين من تنقل الوباء، ومن ثمَّ كسر سلسلة العدوى والحد من انتشارها.


وقد وثَّقت وسائل الإعلام هذا الخطاب المزدوج والمتناقض، وها هي تعرضه على الرأي العام لتحضير ملف المحاسبة والمساءلة عن الفشل، الذي ميَّز السياسات العمومية لمحاربة كورونا.


ويعزو البعض هذا النقص إلى سياسات التقشف التي كانت هذه البلدان تتبعها خلال سنوات طويلة، لمحاولة الحد من المصاريف العمومية، وقد طالت هذه السياسة مجالات حيوية، مثل: المخزون الاستراتيجي للمعدات الطبية لمحاربة الأوبئة، مثل: الكمامات.

وعندما اعترفت هذه الدول، تحت ضغط الأحداث، بضرورة ارتداء الكمامات في الأماكن والمواصلات، هرع المواطنون إلى صيدلياتهم ليجدوها خالية من هذا السلاح الثمين.

لقد وجد الناس أنفسهم محاصرين بين واقعتَين، الأولى: تطالبهم بارتداء الكمامة، والثانية عدم توفرها في الأسواق، وما زاد من هول هذه الأزمة، أن أصواتاً ارتفعت داخل منظومة الحكم لمطالبة المواطنين بصنع كمامات منزلية، يدوية الصنع.

أزمة الكمامات أخذت أبعاداً سياسية واقتصادية خطيرة، عندما اكتشف الرأي العام الأوروبي أن الفضاء الأوروبي، بالرغم من كل قدراته الصناعية غير قادر على إنتاج الكمامات الضرورية في مثل هذه الظرفية الحساسة، وأنه مرغم على استيرادها من الصين.

وانطلاقاً من هذا الواقع، تحَّولت الكمامة إلى أيقونة تجسد الانهيار الأوروبي في معالجة محنة، هي في نفس الوقت استثنائية في حجمها، ومتوقعة في مسارها.

ولا شك أن الخروج من الحجر ستصاحبه حتماً إرادة سياسية لمحاسبة المخطئين والمقصرين والمسؤولين، عن غياب الكمامة من الصيدليات الأوروبية.