الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تونس.. وتمكين النهضة

التركيز التونسي على فيروس كورونا لم يوقف نزوع التمكين عند حركة النهضة.. قد يبدو تلمّس الصلات بين المسألتَين عسيراً، لكن الأحداث التي طبعت الأيام الأخيرة، أقامت الدليل على أن مساعي النهضة للهيمنة على مؤسسات الدولة على قدم وساق، ولا تتأثر بالانشغالات العامة التي يُفترض أن تتوجه صوبها كل الجهود.

لهذا المسعى النهضوي أكثر من قرينة، فالحكومة التونسية أعلنت تعيين قياديين من النهضة مستشارين لدى رئيس الحكومة، وأنتج التعيين امتعاضاً واسعاً لدى الأطياف السياسية، لا رفضاً لآلية التعيين نفسها، وإنما لأن الأمر يتناقض مع إعلان إلياس الفخفاخ في يناير الماضي عن نيته تشكيل حكومة سياسية مصغرة، تركّز على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، وأيضاً لأن تعيين المستشارين، رفع من جيش المستشارين (برتبة وزراء)، الذين دججت بهم الرئاسة ومجلس النواب والحكومة، وكان ذلك متناقضاً مع ما طرحته الحكومة على نفسها، وتعبيراً عن حجم الضغوط التي تمارسها النهضة على الفخفاخ لتحصيل أكثر ما يمكن من المناصب.

القرينة الجديدة على أن النهضة تنظر خارج اهتمامات البلاد، هي الجدل الذي انفجر على خلفية اعتزام البرلمان التونسي، عقد جلستَين للنظر في مشروع قانون يتعلق بالموافقة على اتفاقيتَين تجاريتَين مع قطر وتركيا.


الاتفاقية الأولى مع قطر، تتصل بإنشاء فرع للصندوق القطري للتنمية في تونس، وستكون للصندوق، حسب مشروع القانون، سلطة لا يمكن للدولة أنّ تتحكم فيها.


والاتفاقية الثانية مع تركيا، تتعلق بقانون التشجيع والحماية المتبادلة للاستثمارات، وتضمن منح الأتراك حق الإقامة والتمتع بالامتيازات الجبائية تحت غطاء الاستثمار، ما سيؤثر على المؤسسات التونسية.

ضغوط الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، نجحت في منع انعقاد الجلستَين، لكنها لم تحُل دون تواصل الاتهامات لراشد الغنوشي، رئيس البرلمان، باستغلال سلطته وتوجيهها خارج البلاد، لتمكين المحور الأيديولوجي الذي يدين له بالولاء، من التغلغل في البلاد.

ما يصل بين القضيتَين، ضغوط النهضة من أجل تعيين قيادييها في مراكز حساسة في الدولة والهرولة نحو ربط البلاد بالمحور التركي ـ القطري، هو أن الحركة تسعى إلى الانفراد بالمشهد السياسي والهيمنة على مفاصل الدولة، وتأبيد ارتباطها بالمحور الإخواني.

تحذير الاتحاد العام التونسي للشغل من «استغلال الظرف لتمرير مشاريع واتفاقيات خارجية معادية لمصالح تونس ترهن مستقبل الأجيال لصالح أحلاف أجنبية» يختصر الحسابات الخفية وراء ما تضمره النهضة، ويكشف الرهانات الكبرى التي تختبئ وراءها.

لم تعبأ حركة النهضة بأعباء انتشار كورونا على العباد، بل استغلت الانشغال لمحاولة تسريب رملها وتحقيق خطوات في مشروع تمكينها.