الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

المجتمع.. والتأثير في اللاوعي

في الوقت الذي تشهد فيه منصات التواصل الاجتماعي ووسائل إعلام عديدة على امتداد الوطن العربي، حملة مكثفة من الانتقادات والدعوات لوقف أحد البرنامج التلفزيونية لما يحتويه من عنف وتنمر وامتهان للضيوف، فإن عدد المشاهدات للبرنامج تخطت حاجز 200 مليون مشاهدة في أول حلقتين منه، الأمر الذي تراه القناة مكسباً لا يمكن التفريط فيه حتى ولو أدى ذلك إلى أمراض نفسية وعصبية أشد خطورة على المجتمع من فيروس كورونا.

قد يرى البعض في هذه الموقف انفصاماً بين الفعل والقول وأن الجمهور ينتقد هذه البرامج وهو السبب الرئيسي في استمرارها عبر زيادة عدد المشاهدات، إلا أن مثل هذا الطرح يبقى قاصراً فنحن نتحدث عن مجتمع عربي شاب، من السهل التأثير فيه خاصة أن طبيعة هذا العمر تجنح لمثل هذه المواقف نتيجة عوامل عديدة يمر فيها الإنسان في بدايات الشباب.

إن تزاحم قنوات تلفزيونية على إنتاج أو شراء مثل هذه البرامج مدفوع بمنطق تجاري صرف، فقدرة هذه القنوات على الاستمرارية مرهونة بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، فالموضوع استثماري لا يقبل الخسارة تحت أي مبرر، وعلى قاعدة «الجمهور عاجبه» ومَن لا يرغب في المشاهدة فليغير القناة، وهذا الطرح يقودنا إلى أهمية الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي وقدرته على الموازنة، فنحن نتحدث عن أجيال قد تتأثر بمثل هذه البرامج، ليصبح الاستهزاء بالبشر وممارسة العنف بحجة الترفيه جزءاً من الثقافة العامة، فالتأثير في اللاوعي هو الأخطر والأعمق تأثيراً.


وموسم رمضان الحالي يعتبر الأكثر مشاهدة للأعمال التلفزيونية بحكم الظروف الراهنة، ولعل هذا ما رفع من وتيرة الانتقادات للعديد من البرامج، ومن المنصف هنا الإشارة إلى أن المؤسسات الإعلامية الإماراتية لعبت دوراً مهماً في تقديم باقة من البرامج التي خلقت توازناً بشكل أو آخر للخريطة البرامجية، ومنها على سبيل المثال برامج «قلبي اطمئن» و«بصمات» وغيرها من البرامج التي تناقض مقولة أن ذوق الجمهور هو الذي يحدد طبيعة الإنتاج، فقد حققت هذه البرامج نسب مشاهدة عالية، وتفاعلاً كبيراً على مختلف المنصات.


بالمحصلة، فإن لغة التجارة لدى القنوات التلفزيونية ستبقى هي المسيطرة، لذلك لا بد من الاستمرار بدعم وتكثيف البرامج ذات المحتوى الإيجابي، وعدم إخلاء الساحة لفريق واحد يفهم لغة عدد المشاهدات فقط، ونترك شبابنا فريسة لمثل هذه البرامج وتأثيرها في شخصيتهم المستقبلية.