السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مقاتلون في معركة البقاء اليمنية

هامش الخيارات الحرة أصبح أضيق من ثقب إبرة في بلد مزقته الصراعات والحروب والأوبئة والاصطفافات السياسية والجهوية والمناطقية.

وعلى كثرة هذه الأطياف التي تبدو للوهلة الأولى تنوعاً كبيراً، إلا أنها في الواقع مرايا كثيرة لذات الإخفاقات والتراكمات، التي أوصلت اليمن لهذا الواقع الكارثي الذي هو عليه اليوم.

يرزح اليمنيون بين مطرقة الحوثي وسندان التيارات السياسية الأخرى الغارقة في الفساد وسوء الإدارة، وتتمزق رغبات اليمنيين بين إنهاء الحرب، التي دمَّرت ما تبقَّى من وطن وبين رغبات أخرى أكثر إلحاحاً لهزيمة مشروع حوثي متخلف تسلط على رقابهم بالحديد والنار والأفكار الفاشية المتطرفة المستوردة من إيران.


أصبح الحديث عن ارتباك قائمة الأولويات في اليمن مجالاً خصباً للسجالات السياسية حول حتمية الحرب، وضرورة إيقافها في ظل الكوارث الموجودة، أو تلك التي تلوح في الأفق وفي مقدمتها جائحة فيروس كورونا التي أطلت برأسها المدبب في بلد بلا مؤسسات ولا بنية تحتية ولا كوادر صحية ولا حتى جهة مسؤولة، قادرة على إدارة أزمة عاتية أنهكت الدول العظمى، مثل كورونا.


لقد ‏مثّل كورونا اختباراً حقيقياً لقدرة الدول على مواجهة الأزمات، وتماسك نظامها الاقتصادي والإداري، فبعض الدول تمكنت من محاصرة آثار الجائحة، وبعضها تجاوز ذلك إلى مد يد العون لدول أخرى ما تزال تقاوم الوباء، بينما سقطت الدول الأكثر ضعفاً وهشاشة مثل اليمن في حلبة النزال حتى قبل أن تبدأ المنازلة، ولم تستطع رصد تفشي الفيروس، عوضاً عن مواجهته!

الوضع الكارثي الذي يعيشه اليمن منذ 10 سنوات على أقل تقدير أخرج أسوأ ما في هذا البلد من تناقضات وتراكمات أيديولوجية وعنف، كما أخرج كذلك أفضل ما فيه من قيم تكافل اجتماعي منعت الانهيار الكامل على الصعيد الإنساني، الذي كان من المفترض، وفقاً لتوقعات الخبراء في المنظمات الإنسانية، أن يحدث منذ سنوات، وكما نبت الفساد السياسي وتفرعت أوراقه وأزهرت شوكاً، ومزايدين ومتلونين وقتلة، أفرزت الأزمة اليمنية نماذج إنسانية غاية في النبل والشهامة والإيثار.

هناك كثير من الجنود المجهولين الذين انبروا لمحاربة آثار الحرب والمجاعة والأوبئة، كتفاً بكتف، إلى جانب شعبهم المنكوب، وأبرز سمات هؤلاء المقاتلين الشجعان في معركة البقاء اليمنية، أنهم لا يظهرون كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يتحدثون كثيراً في السياسة، ولا يعملون مع منظمات وهيئات وأحزاب، ولا يفكرون في مغادرة البلاد وطلب اللجوء في أوروبا.. هؤلاء باعتقادي يمكن وصفهم بأنهم بقايا الأمل في إنقاذ اليمن.