الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

النهضة المرتابة

تتعامل حركة النهضة التونسية، مع الأحداث السياسية، بذاكرة انتقائية، وبعقل مرتاب يواظب على استدعاء تراث المظلومية والاستئصال ويستسهل اتهام المحاور الإقليمية المعادية «للثورات العربية».

ففي الأسابيع الأخيرة تصاعدت في تونس، على مواقع التواصل الاجتماعي، دعوات لإسقاط الحكومة وحل البرلمان، وكان متوقعا ألّا تلقى هذه الدعوات التفافاً شعبياً أو مساندة سياسية، أولاً بسبب التوقيت السياسي غير المناسب، وثانياً بسبب غموض الدعوة وتطرف أهدافها.

المواقف السياسية الرافضة لهذه الدعوات كانت أكثر أهمية من الدعوة ذاتها، إذ تعاملت الأحزاب مع الدعوات بما تقتضيه من مواقف.. تفهمت الدعوة إلى إسقاط الحكومة، رغم أن فترة توليها الحكم لم تتجاوز شهرين، لكنها حذرت من خطورة الدعوة إلى حل البرلمان وإسقاط المؤسسات. ثمة مسافة فاصلة بين الحكومة والمؤسسات المنتخبة (البرلمان والرئاسة)، وهي مسافة أجمعت عليها كل بيانات الأحزاب السياسية، لكنّ النهضة ذهبت بعيداً في بيانها وفي مواقف قيادييها ممن تداولوا الظهور في وسائل الإعلام.


بيان مجلس شورى حركة النهضة الصادر يوم الاثنين الخامس من مايوالجاري، استنكر ما أسمته الحركة «الحملات الإعلامية المضللة التي تستهدف التجربة الديمقراطية الناشئة ببلادنا»، ولئن تفادى البيان استحضار فكرة المؤامرة الخارجية، إلا أن تصريحات قياديي الحركة، مثل رئيس مجلس الشورى عبدالكريم الهاروني، أشارت إلى ذلك بأن ربطت الدعوات التي اجتاحت فضاءات التواصل الاجتماعي بمواقف رئيسة الحزب الدستوري عبير موسي من الحكومة ومن تنظيم الإخوان، وأشار إلى ارتباطها بمحاور إقليمية وأقطار عربية عرفت بمعاداتها للثورات العربية حسب زعمها.


تتعامل حركة النهضة مع متغيرات المشهد السياسي التونسي بنفعية مريبة، وترفض كل معارضة وتصمها بالتآمر الهادف لـ«إرباك المسار الديمقراطي التونسي، وإضعاف مؤسسات الدولة في ظل تحديات صحية واقتصادية استثنائية»، وتواظب على الذود عن مواقعها لا على مصلحة البلاد.

استاءت الحركة من المساس بمجلس النواب ورئيسه، ولم تبد أيّ تفهم للأسباب العميقة التي دفعت مجموعة من الشباب إلى إطلاق حملات افتراضية تبتغي تغيير المشهد السياسي الراهن، بصرف النظر عن مدى جدية تلك الحملات، وامكانية نجاحها في الوصول إلى الأهداف التي طرحتها على نفسها.

هنا تكون النهضة مرتابة من كل دعوة تغيير، ومن كل فعل احتجاجي، وهذا الارتياب المترسّب يمنعها من الذهاب إلى عمق دوافع الاحتجاج ودواعيه.

العقل النهضوي المرتاب من كل الخصوم أعلن الحرب على الجميع، في التصريحات وفي مواقع التواصل الاجتماعي وفي البيانات، وأقام الدليل على أن التوتر النهضوي بلغ مداه، ومنطلقه في ذلك خوف دفين من خسارة السلطة.