الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

أمريكا.. قوة عظمى أم انحدار؟

قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتعليق المساهمة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية غير مناسب، لا سيما في وقت تعاني فيه البشرية وباء مدمراً يجتاحها منذ شهور، فالولايات المتحدة بصفتها القوة العظمى في العالم ينبغي أن تتحمّل واجباً أخلاقياً تجاه الدول الأخرى، لا سيما الفقيرة في أوقات المِحَن والأزمات.

أما اتخاذ قرار من هذا النوع، فإنه مُنبِئ بخطر تواجهه الولايات المتحدة نفسها؛ خطر أخلاقي ربما يكون منذراً بانهيار القيم التي تأسّست عليها هذه الدولة، وفي سياق هذا كانت رئيسة وزراء المملكة المتحدة للفترة من 1979 إلى 1990، مارغريت تاتشر قد قالت ذات يوم: «إن التاريخ يعلمنا أنّ الحرية لا يمكن أن تدوم بدون أسس أخلاقية، وأن تأسيس أمريكا يُمثّل شاهداً قوياً على ذلك».

إن الأخلاق أعظم وسيلة لبقاء الأمم، ولا يعدم التاريخ أمثلة لأمم وحضارات ازدهرت وهيمنت على العالم، ثم انهارت بانهيار أخلاقها، فمن أسباب انحلال الإغريق والرومان ما دبّ فيهما من فساد الأخلاق وتحطم القيم، ولم تنجُ الأمة العربية الإسلامية أيضاً من ذلك المصير، وفي العصر الحديث انهارت بين عشية وضحاها ثاني أكبر إمبراطورية في العالم، وهي الاتحاد السوفيتي، رغم جبروتها الاقتصادي والعسكري؛ لأنها حرَمت الناس من حرياتهم وكرامتهم الإنسانية.


فهل وصلت أمريكا الآن إلى المستوى الذي يبدأ فيه العد التنازلي للانحسار؟.. ذلك سؤال تصعب الإجابة عنه؛ لكن قرار ترامب بتجميد المساهمة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية يطرح سؤالاً هو: هل فقدت الولايات المتحدة شرعيتها الأخلاقية كقوة عظمى يَرى مؤسسوها أنهم بَنَوها على الأخلاق وقيم الحرية وحب الآخرين؟


إن 400 مليون دولار أمريكي ليست شيئاً يُذكر لأكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، لكنه يعني الكثير بالنسبة للمرضى والفقراء في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، خاصة في هذا الوقت، فهو سيعوق الجهود الدولية لمحاربة كورونا.

صحيح أن منظمة الصحة العالمية، كغيرها من المنظمات الدولية تعاني الفساد والبيروقراطية؛ لكن هذا ليس زمن الحساب، بل وقت التضامن الإنساني لصد الجائحة التي اجتاحت البشرية في أشهر قليلة.

ثمّ إذا كانت المنظمة تحتاج إلى إصلاح، وهي فعلاً محتاجة إليه كسائر المنظمات الدولية، فليؤجّل ذلك حتى يزول الوباء الذي يُهدّد العالم، وإذا زال هذا الخطر، فمَن الذي يضمن أن تظل منظمة الصحة العالمية أو حتى الأمم المتحدة نفسها على حالهما؟