الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الأوبونتو».. فلسفة الحياة

يُروَى أن أحد علماء الأنثروبولوجيا الغربيين عرض لعبة على أطفال قبيلة في قرية بجنوب أفريقيا، فوضع سلة من الحلويات عند جذع شجرة وجعل الأطفال يصطفون على مسافة 100 متر، وقال لهم: إن أول من يصل إلى السلة سيظفر بما فيها من الحلويات، ولما أعطى إشارة البدء، فوجئ برؤية الأطفال يسيرون بهدوء ممسكين بأيديهم، وصلوا إلى الشجرة وتقاسموا الحلويات! ولما تساءل عن سبب فعلهم هذا، وكان بإمكان أحدهم أن يظفر لوحده بها، أجابوا: أوبونتو، أي كيف يمكن أن أكون سعيداً فيما الآخرون تعساء، ويعني مصطلح (أوبونتو) في لغتهم: أنا أكون لأننا نكون، أي نحن وليس أنا.

الأوبونتو.. فلسفة حياة اعتمدتها المجتمعات الأفريقية البدائية لتحقيق سعادتها من خلال التكافل وإنكار الذات لصالح أفراد القبيلة، وهو ما يمثّل سر سعادتهم الذي طالما غاب عن المجتمعات المدعية للحضارة، فالمجتمعات التي تُغلِّب المصلحة العامة على الخاصة، وتعطي الأولوية لـ(نحن بدل أنا)، هي وحدها تحقق قيم الإنسانية الحقيقية.

إن جائحة كورونا كشفت لنا مدى عمق المعاناة والشقاء لدى فئات المجتمع الهشة والمهمشة في دول العالم الثالث، فهناك حكايات ينفطر لها القلب: سيدة أفريقية تغلي الحصوات في القدر لِتُوهم أطفالها الجياع بأنها تطبخ لهم الطعام، وأخرى في إحدى قرى الهند انتحرت بعد قتل طفلَيها بسبب الجوع، وغيرهما من المشاهد المؤلمة جراء الفقر المدقع.


إن بشاعة النظام الرأسمالي المكدِّس للثروة بأيدي شرذمة قليلة، مقابل الأغلبية الساحقة التي تعاني من انعدام العمل والقوت في زمن الوباء، تتجلَّى بوضوح فيما أفرزه هذا النظام من الأنانية والجشع وحب التملك، وهذا غاندي يقول: إن الأرض تستطيع أن تنتج ما يكفي لإطعام كل فم، ولكنها لا تستطيع أن تحقق جشع الجميع، فالنظام الاقتصادي والاجتماعي الرأسمالي غذّى في النفوس قيم الفردية والمصلحة الخاصة على حساب العامة، فيعيش الفرد على مبدأ «أنا» وليس «نحن»، وهو، أساساً، نظام لللامساواة وعدم العدالة في توزيع الثروة، رغم أن الحجر المنزلي برهن بأننا لا نحتاج كثيراً من المال لكفاف العيش.


الحقيقة، أن نظام التكافل الاجتماعي الإسلامي يحرص على تحقيق مبدأ «نحن» وليس «أنا»، فيما يشدّد على ألا ينام المؤمن وجاره جائع، وفرض الزكاة وحرّض على أعمال الخير والصدقات لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي، فما أحوجنا، خصوصاً في الشهر الفضيل، للتخلي عن الأنانية والاستكثار من فعل الخيرات.