الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

المرض يردي.. والصحة لا تعدي!

العالم قرية صغيرة في الشرور والأمراض والآثام والقيم السلبية، لكنه بلاد متباعدة بينها مسافات شاسعة وبحار وصحار مترامية الأطراف في الخير والصحة والمحاسن والقيم الإيجابية.

إنها كبسة زر أو طرفة عين لينتشر الشر والدمار والخراب والأمراض في دول العالم، لكنها سنوات طويلة ليصل الخير والدواء واللقاح والمصل والإعمار إلى هذه الدول، لا يحتاج الأمر سوى دقائق للهدم ولكنه يحتاج إلى أعوام للبناء، كل البشر باختلاف قدراتهم وكفاءتهم قادرون على الهدم والتخريب والإفساد، قليلون فقط قادرون على البناء والإعمار والإصلاح، ويحتاج الأمر إلى عمل كثير وجهد وعناء للمصالحة بين شخصين أو دولتين بينهما خصومة، لكنه أمر يسير ولا يستغرق وقتاً ولا جهداً أن توقع الفتنة والخصام والجفوة، الخير معروف من يؤديه ولكن الشر جماعي ويتفرق دم ضحاياه بين القبائل والدول وأجهزة الاستخبارات ولا تعرف له فاعلاً، خصوصاً عندما يرتدي الشر ثياب الخير، ويرتدي الشياطين ثياب الوعاظ.

عندي قصة تبدو للوهلة الأولى شخصية لكنني خرجت منها بمبدأ عام لم يتخلف أبداً في هذا العالم وفي علاقات الدول والأفراد، فعندما كنت بين الطفولة والصبا كان أبي رحمه الله لا يكف عن نصحي بأن أصاحب هذا وأبتعد عن هذا، وأن أتقرب من هذا وأتجنب هذا، وأذكر أنني ضقت ذرعاً بهذه النصيحة يوماً وأردت أن أجادل أبي.


فقلت له: ولماذا تتصور دائماً أنني ضعيف وأن أصدقاء السوء يؤثرون في سلوكي؟، لماذا لا أؤثر فيهم أنا بسلوكي الذي تراه حميداً ورشيداً؟.. فضحك أبي وأطلق المبدأ العام الذي لم يتخلف أبداً وقال: يا بني المرض هو المعدي، المريض هو الذي يعدي الصحيح، هل رأيت صحيحاً يعدي مريضاً بصحته؟


هنا رفعت الأقلام وجفت الصحف، الخير لا يعدي لكن الشر هو المعدي، والمرض يعدي لكن الصحة لا تعدي، هذا ما يجري في العالم الآن وقبل الآن، الشر يتحرك في العالم بسرعة الضوء، لكن الخير يتحرك بسرعة السلحفاة، والشر والمرض لا محالة واصلان لكن الخير قد لا يصل أبداً، نحن لا نطلب دليلاً ممن يذم ويقدح ويرفض بل نراه شجاعاً، ولكننا نطلب ألف دليل ممن يمدح ويشكر ويؤيد ويوافق، لأننا نراه منافقاً ومتملقاً وجباناً ولا بد من أن يقدم دليلاً، حقاً وصدقاً، الشر يردي والخير لا يعدي، المرض يردي والصحة لا تعدي!