الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

التحدي الجديد للبشرية

قبل يومين حلّ موعد انتهاء فترة الإغلاق التام للنشاطات البشرية في فرنسا في جو من المشاعر والأحاسيس المتباينة والمختلطة، وكانت هذه الحرية المستعادة مختلطة ببعض الشكوك وبواعث القلق، وخاصة لأن فيروس كورونا المستجد لا يزال نشطاً وقادراً على الانتشار.

كما أن تداعيات التوقف التام للنشاط الاجتماعي والتجاري والاقتصادي لمدة شهرين كاملين، يمكن أن تكون نتائجه أكثر قسوة من أضرار الفيروس ذاته، ففي بلد مثل فرنسا التي كانت تفقد أرواح 10 آلاف من الجنود كل يوم في أقسى ظروف الحرب العالمية الأولى، ونحو 1.5 مليون من الشبان صغار السن خلال السنوات الأربع لتلك الحرب، لذلك فإن خسارة 25 ألفاً من الضحايا في «جائحة إنفلونزا» ليست بالأمر الاستثنائي أو غير المألوف، إلا أن المشكلة الأساسية تتعلق بالافتقار إلى القدرة على الرؤية البعيدة واستشراف ما يمكن أن يحدث خلال الأشهر والسنوات المقبلة على المستوى الفردي، أو على مستوى أجهزة الدولة كلها، ثم إن الأوبئة لم تنتهِ بعد، فيمكن أن تتفاقم أكثر في بعض القارات، كما أن الفهم المشترك الشائع بين الناس مفاده: أن العالم لن يعود كما كان أبداً، وبأن المجتمع الدولي يواجه الآن تحديات قاتلة.

وينبغي علينا أن ندرك أن الأوبئة كانت تمثل الثمن الذي ندفعه حتى نتعلم دروساً مهمة، مفادها: أن العالم بات صغيراً للدرجة التي تدفعنا جميعاً للاعتماد على بعضنا البعض، وأن الخلافات أو النزاعات القديمة لا قيمة لها بالمقارنة مع قدرتنا على تحقيق مصالحنا المشتركة، وأن الأوضاع الجيدة القائمة على توافر الموارد هشة ومؤقتة، ولا بد لهذه الحقائق أن تعيد تشكيل الأطر الرئيسية للتفكير الجيوسياسي على المستويات الثلاثة العالمي والإقليمي والمحلي.


ويمكننا أن نستنتج الآن أن عالمنا هو في الحقيقة أقل أماناً بكثير مما كنا نتوقع، وهناك العديد من الظواهر المثيرة للقلق مثل النمو السكاني والتغير المناخي والتلوث وتدمير الغابات واستنزاف مصادر المواد الأولية، ولقد تعززت هذه المخاوف بخطر آخر يمكنه أن يضرب البشر كلهم، فعلى الرغم من أن عنصر الربط بين هذه التحديات وظهور وانتشار الفيروس غير محدد بشكل واضح، إلا أن انتشار الأوبئة ذاتها والنتائج الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تترتب على هذا الانتشار أصبحت تتطلب اتخاذ موقف عالمي جماعي أكثر جدية وفاعلية من أي وقت مضى، ولو تم فهم هذه الحقيقة على النحو السليم، فيمكن أن يمثل ذلك بادرة خير للمستقبل.