الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«الصحة العالمية».. والثقة المفقودة

تستمد المنظمات الدولية خاصة ذات العلاقة بقطاعات الصحة والتعليم والطفولة قوتها من ثقة العالم بها، فالثقة بهذه المنظمات هي أساس وجودها وبدونها تفقد المصدر الرئيسي لقوتها ومكانتها العالمية، وقد تمر عقود طويلة لا يُختبر فيها مدى الكفاءة والفعالية الحقيقية لأي منظمة، إلا أن أزمة واحدة ذات بُعد عالمي كفيلة بتحطيم الصورة النمطية وتسليط الضوء على أمور لم يكُن أحد يُولِيها أي اهتمام.

في أزمة كورنا غير المسبوقة من حيث اتساع رقعتها الجغرافية ومدى التأثير برزت منظمة الصحة العالمية كأولى الضحايا التي أطاحت بها الأزمة، فمنذ بدايات انتشار المرض والعالم يرى تخبطاً وإدارة لحظيَّة للأزمة، وإشاعة لجو من التشاؤم والاستسلام، وكأن المنظمة تعلن عجزها التام عن إدارة الملف الصحي الدولي والقيام بمسؤولياتها التي أنشئت لأجلها.

بداية اهتزاز الثقة بالمنظمة بدأ مع تأخرها في إعلان الفيروس جائحة عالمية، وما ترتب على ذلك من تساهل العديد من الدول في إجراءاتها الوقائية والاحترازية، الأمر الذي أدخل دولاً عديدة في نفق تفشي الفيروس ومواجهة أوضاع صحية كارثيّة، ورغم فداحة التأخر بالإعلان إلا أن المنظمة لم تتعظ وواصلت الوقوع بأخطاء عديدة أوصلتها إلى مرحلة فقدان الثقة.


المنظمة ومنذ بدايات الأزمة لم تقدم حلولاً بقدر ما كانت صوتاً منفراً لتخويف العالم من الكارثة المقبلة والموجة الثانية المميتة، ومطالبتها العالم بالتعايش مع فيروس كورونا لفترة طويلة، وإغراق العالم في حالة من الاكتئاب بتأكيدها بألا لقاح سيقضي على الفيروس، وصولاً إلى توصيتها بعدم رشّ المطهرات في الشوارع بعد أن تكبدت الدول مئات الملايين من الدولارات.


حالة الإحباط والاكتئاب التي تقوم المنظمة بتعزيزها يومياً عبر تصريحاتها السوداوية، ستدخل العالم في نفق من المشكلات الاجتماعية التي قد تكون أخطر وأكثر تأثيراً من انتشار فيروس كورونا، والغريب بأنها تحذر من انتشار الأمراض النفسية والعصبية جراء الجائحة، وفي ذات الوقت لا تكف عن بث الأخبار السلبية التي قد تجعل البعض يعتقد بأننا في مرحلة فناء البشرية.

الثقة التي سحبت من المنظمة كفيلة بإعادة التفكير بكافة المنظمات الأخرى وقدراتها وآليات عملها، فالحكمة تقول: «فقدان الثقة مثل تمزيق الورقة، يمكن لصقها ولكن لا تعود كما كانت عليه».