الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

العراق.. تدوير ملفات الفساد

بعد شهور قليلة من تعيين الحاكم الأمريكي المدني للعراق بول بريمر في 12 يوليو 2003 أول مجلس حكم في بغداد، طفت على السطح ملفات الفساد، إذ كانت سلطة الحاكم الأمريكي تمنح دفعات مالية لجهات سياسية وإدارية في العاصمة والمحافظات دون خضوع لرقابة مالية، وتحت بند تسيير الأمور بحسب الظروف الطارئة، حتى قامت أول حكومة عراقية في يونيو 2004.

وقد ساد مفهوم المال السائب وبات من الصعب التصدي له، في ظل مشكلات كبرى جديدة برزت في العراق بهشاشة مؤسسات الدولة، ثم تعاقبت ست حكومات، لتحمل جميعها شعار مكافحة الفساد، في حين كان الفساد قد تحول لمنظومات نفوذ سرية، وربما شبه علنية، وتحول ملف الفساد شعاراً مركزياً مبرراً لإجراء الانتخابات ووعود التغيير لضمان المشاركة الجماهيرية فيها، وتبرير إنتاج حكومة جديدة لم تكن تفعل أكثر مما فعلته سابقتها ليتم تدوير ملف الفساد، مع تدهور في الخدمات والمشاريع الاستثمارية والإنمائية فضلاً عن التزاوج اللاحق الذي تمّ بين الفساد المالي الواسع وحمل السلاح لدى فصائل وميليشيات، تحت عناوين مكافحة الإرهاب وظروف الطوارئ وما نتج عنه من إقطاعيات المكاتب الاقتصادية.

إنّ انفجار الشارع في بغداد والجنوب العراقي في أكتوبر الماضي، كان نتيجة مباشرة لبلوغ الفساد حداً لا يمكن تحمُّله مع تدهور الشؤون الحياتية العامة للناس، لا سيما من الحواضن الشعبية المفترضة للأحزاب الشيعية النافذة في الحكم.

الفساد في العراق يمر من دون عقاب، وفي حالات سياسية خاصة كان الإجراء الأوضح هو غلق الملف وإحالة المفاصل الثانوية التي تتحرك في الواجهة إلى محاكم تستخدم الأحكام اللينة.

وذات مرة وقف رئيس حكومة عراقية أسبق أمام الشاشات وقال إنه وجد 50 ألف موظف يتقاضى راتباً من الدولة بأسماء وهمية لا وجود لها، وحين صفق له نواب البرلمان أجاب بسرعة أن يتمهلوا ولا داعي للتصفيق فالعدد المتوقع أكبر من ذلك بكثير، غير أنّه لم يتم الكشف عن الجهة التي تتقاضى 50 ألف راتب كسرقة علنية امتدت لسنوات، بعد ذلك لم يسأل أحد عن الوهمي والحقيقي في رواتب الموظفين، وتحدّث نواب عن نهب علني لإيرادات المنافذ الحدودية وهو الدخل الثاني بعد النفط.

إن القناعة السائدة في العراق اليوم هي لا حكومة تستطيع أن تسترجع المال العام المنهوب لأنّ ذلك سيؤدي إلى انهيار العملية السياسية، وهذا خط أحمر دولي وإقليمي.