الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

عولمة مستبدّة.. وعيش مشروط

يتحدث الجميع اليوم عن تغيرات جذرية كبرى سوف تحصل عالمياً بعد أزمة كورونا، بعضها بات معروفاً، والبعض الآخر ربما غير ظاهر أو مفهوم حتى اللحظة.

باختصار شديد، هناك عولمة من نوع جديد بدأت تتشكل مختلفة عن السابقة التي سادت في السنوات الأخيرة، توصف بأنها موجة كونية جديدة مستبدة أو مشروطة أو إجبارية، بمعنى أن هناك أنظمة عالمية وأنماط تعامل دولي ومشروطية حياتية تعد وتصمم لعالم ما بعد الجائحة، حيث لا مجال فيها للاختيار أو التجاوز، بعد أن يتم ربطها كما يبدو بأولويات الإنسان من صحة وأمن واقتصاد وعمل وسفر وتعليم.. إلخ.

ويؤسس من يدير العالم اليوم ويخطط لما بعد كورونا، جملة من مشاريع الاتفاقيات والتشريعات ستفرض على دول العالم، ما قد يُعرّض بعض هذه الدول التي «تضر» بالأمن الصحي أو الغذائي أو الاقتصادي العالمي إلى عقوبات دولية بأشكال لم تكن معهودة سابقاً، فقد كتب جوستن لوغان في موقع «ذا ناشونال إنترست» الأمريكي: «أنه تم إلغاء الحصانة السيادية للصين أمام المحاكم الأمريكية للسماح للمواطنين الأمريكيين المتضررين من كورونا بمقاضاة الحكومة الصينية».

كذلك، هناك عودة لقوانين الطوارئ والدفاع التي كانت سائدة عند بعض الدول في فترات سابقة، وتستخدم اليوم لمواجهة أزمة غير مسبوقة عجز كما يقال الجهاز المدني عن التصدي لها، وقد تنبثق عنها قوانين وتعليمات جديدة تتجاوز الحالة المدنية للدولة والمجتمع.

وتبرز كذلك مسألة التحول للعالم الرقمي، كأحد المواضيع التي ستُفرض على الدول والمجتمعات والأفراد، حيث لا خيار أمامهم، وهذه التحولات المطلوبة جميعها تخدم أهداف من يقف وراءها وعلى رأسهم أمريكا بالطبع، فهي أمام فرصة تاريخية لن تُضيعها لإعادة ترتيب التعاملات والأنظمة الدولية بما يخدم مصالحها وينقذها من أزماتها.

وبالمحصلة النهائية، هناك عالم جديد يتشكل اليوم في طريقه إلينا، تحكمه عولمة من نوع جديد لها شروطها المتعلقة بالحدود والتنقل والهجرة والتجارة وغيرها ستُفرض، وعيش مشروط للمجتمعات والأفراد، على رأسه فكرة السيطرة والتوجيه لأفعال البشر وأنشطتهم وقراراتهم، سيكون على حساب حرياتهم وخياراتهم وسيزيد من معاناتهم، خاصة أن الشعار الذي سيرفع مستقبلاً من قبل أصحاب هذه الموجة الكونية الجديدة هو: إما أن تعيش اليوم بشروطنا أو من الصعب عليك الاستمرار في عالمنا!