الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

ثُنائية أمريكا ـ الصين

تعدَّدت الآراء التي يذهب أصحابها إلى أن وباء كورونا أطاح بالولايات المتحدة الأمريكية عن موقع الدولة العظمى لمصلحة الصين، وأننا بعد الخروج من الوباء سوف نشهد تتويج الصين على عرش العالم، وأن الولايات المتحدة ستصبح الوصيف لها، وأخشى القول: إن تلك الآراء أقرب إلى الأمنيات والأحلام منها إلى توقعات مبنية على وقائع وحقائق دامغة.

صحيح أن الوباء هزَّ هيبة الولايات المتحدة وألحق بها عدة أضرار، لكن الصين أُضيرت أيضاً، ولقد سبق أن اهتزت هيبة الولايات المتحدة مراراً، حدث ذلك في حرب فيتنام، وحدث حين تمكن الاتحاد السوفيتي من نقل صواريخ نووية إلى كوبا بالقرب من الحدود الأمريكية دون أن تدري، وحدث حين احتلت العراق بذريعة وجود سلاح نووي لدى الجيش العراقي، وكانت هي من اعترف بعدم وجود شيءٍ من ذلك، لكن بعد تدمير بلد عظيم!

يمكن للفرد أن يصاب بأزمة قلبية أو دماغية تميته في الحال، لكن الدول العظمى لا تتزحزح هكذا، فالإمبراطورية العثمانية أخذت في الركود وبان ضعفها مع غزو نابليون مصر والشام، لكنها ظلَّت هكذا حتى نهاية الحرب العالمية الأولى.


بريطانيا خرجت منهكة ومدمرة من الحرب العالمية الثانية، ومع حماقة العدوان الثلاثي على مصر صارت قوة من الدرجة الثانية أو الثالثة.


وحتى الآن لدى الولايات المتحدة مصادر قوة ليست متاحة لغيرها، وصحيح أن للصين اقتصاداً قوياً، لكن الاقتصاد وحده لا يصنع المركز الأول.

تعامل الصين الحازم مع كورونا أكَّد حضورها العالمي، وأعفى نظامها السياسي من تهمة «صفر حريات»، فضلاً عن أن أولويات الحريات وحقوق الإنسان تبدّلت، ليكون حق الرعاية الصحية والحفاظ على الحياة في مرتبة متقدمة بما يرفع كثيراً من الحرج عن الصين في قضايا أخرى، فقيادة العالم تحتاج قوة شاملة، أي قوى ناعمة وقوى صلدة معاً، وهذا ما يزال متوفراً للولايات المتحدة وليس للصين.

التحدي الحقيقي أمام الولايات المتحدة هو الانقسام المجتمعي والسياسي الحاد الذي يُضعِف من أدائها ويخلق أمامها الكثير من المشكلات، ولو طال هذا الانقسام وتجذّر إلى جوار ظهور قوة أو قوى منافسة، ساعتها يمكن أن نتوقع تراجعاً أمريكيّاً كبيراً.

عموماً ما يزال الوقت مبكراً جداً للقول: إن الصين على وشك أن تتوج بلقب القوة العظمى الأولى في العالم، وأيّاً كان الأمر، وأيّاً كانت القوة العظمى، فما يجب أن يشغلنا، هو: أين نحن من كل ذلك؟ وما موقعنا وقضايانا الأساسية؟