الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

قنابل إعلامية موقوتة

صناعة الأغبياء على مواقع التواصل الاجتماعي تجري على قدم وساق، حيث تحول الشعوب، في كثير من الأحيان، الأدعياء والمهرجين وقليلي الخبرة إلى مشاهير، سرعان ما تصعب السيطرة على تصرفاتهم أو التكهن بأفعالهم غير المحسوبة، التي تتسرب إلى كل بيت وتعبث بعقول الأطفال والكبار على السواء، والأمر يشبه تماماً صناعة قنبلة موقوتة ومن ثم العجز عن تفكيكها، أو بناء وحش آلي يتحول بعد ذلك إلى عدو فتاك وخطير.

خلال السنوات الماضية تابعنا كثيراً من هذه النماذج، التي تصدرت المشهد الإعلامي ووسائل التواصل على الشبكة العنكبوتية، وتحوّل كثير منها إلى أيقونات اجتماعية سلبية تلقي بظلال أفعالها على الواقع الإعلامي، وتنقل عدوى الفوضى والعبث القيمي للمجتمع، وخصوصاً الفئات ضعيفة المناعة مثل: الأطفال والمراهقين الذين يجدون ضالتهم أحياناً، كثيرة في مشاهير بلا قيمة، صنعهم المجتمع بلا وعي، وحوَّلهم إلى سلاح بلا بوصلة أو هدف.

وهناك عديد من الأمثلة والشواهد التي يمكن استحضارها عند الحديث عن دور هذه الفئة من الناس، التي تصدرت واجهة الإعلام في غفلة من الزمن، وكانت أزمة جائحة كورونا، على سبيل المثال لا الحصر، مؤشراً على أداء هذه الفئة، حيث شاهدنا العديد من المشاهير على مواقع التواصل، يتباهون بكسر الحظر المفروض من حكوماتهم لمواجهة كورونا، وشاهدنا آخرين يقومون بأدوار تمثيلية ضارة كشرب مواد التنظيف، أو تقديم نصائح طبية لعلاج كورونا، أو التقليل من خطر الفيروس.


ولا يقتصر الحديث عن قنابل الإعلام الموقوتة، على العرب فقط، بل تحوّل الأمر إلى ما يشبه ظاهرة إعلامية مستشرية، سعى العديد من الناشطين الغربيين لمواجهتها قبل سنوات، عبر إطلاق حملة في الشوارع العامة تحت عنوان «لا تجعلوا الأغبياء مشاهير»، غير أن تلك الحملة لم تفلح كما يبدو في كبح جماح الرغبة العارمة في البحث عن أيقونات كرتونية تملأ الفراغ الاجتماعي الشاسع، وتشبع رغبة الباحثين عن التغيير حتى للأسوأ!


وبقدر ما تمثله حالة تحول الأغبياء إلى مشاهير من خطر اجتماعي وثقافي، إلا أنها تحمل أبعاداً أكثر خطورة، من استخدام بعض هذه الشخصيات كأدوات إعلامية ضد بلدانهم، وهو أمر ظهر إلى السطح مع تصاعد دور الإعلام في الصراعات السياسية، وتوظيف محور ما يعرف بالإسلام السياسي في المنطقة، العديد من «المهرجين» على مواقع التواصل لتقديم رسائل سياسية في قالب كوميدي تستهدف تحقيق أهداف أبعد ما تكون عن الكوميديا أو الإعلام، وأقرب ما تكون للمكايدة الخالية من القيمة الإعلامية والسياسية الرصينة.